فصل: 1633- باب ما جَاءَ في تَرْكِ الصّلاة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي للمباركفوري ***


40- كتاب الإيمان عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم

قال الإمام البخاري في صحيحه‏:‏ هو ‏(‏أي الإيمان‏)‏ قول وفعل‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ المراد بالقول النطق بالشهادتين وأما العمل فالمراد به ما هو أعم من عمل القلب والجوارح ليدخل الاعتقاد والعبادات، ومراد من أدخل ذلك في تعريف الإيمان ومن نفاه إنما هو بالنظر إلى ما عند الله تعالى فالسلف‏:‏ قالوا هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان، وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله‏.‏ ومن هنا نشألهم القول بالزيادة والنقصان كما سيأتي‏.‏ والمرجئة‏:‏ قالوا هو اعتقاد ونطق فقط‏.‏ والكرامية قالوا هو نطق فقط والمعتزلة‏:‏ قالوا هو العمل والنطق والاعتقاد‏.‏ والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطاً في صحته والسلف جعلوها شرطاً في كماله‏.‏ وهذا كله كما قلنا بالنظر إلى ما عند الله تعالى وأما بالنظر إلى ما عندنا فالإيمان هو الإقرار فقط فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم، فإن كان الفعل لا يدل على الكفر كالفسق فمن أطلق عليه الإيمان فبالنظر إلى إقراره، ومن نفي عنه الإيمان فبالنظر إلى كماله، ومن أطلق عليه الكفر فبانظر إلى أنه فعل الكافر، ومن نفاه عنه فبالنظر إلى حقيقته‏.‏ وأثبتت المعتزلة الواسطة‏.‏ فقالوا الفاسق لا مؤمن لا كافر انتهى ما في الفتح‏.‏ قال العيني فإن قلت‏:‏ الإيمان عنده أي عند البخاري قول وفعل واعتقاد فكيف ذكر القول والفعل ولم يذكر الاعتقاد الذي هو الأصل، قلت لا نزاع في أن الاعتقاد لا بد منه والكلام في القول والفعل هل هما منه أم لا‏؟‏ فلأجل ذلك ذكر ما هو المتنازع فيه‏.‏

1625- باب مَا جَاءَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لاَ إِلهَ إِلا الله

2666- حَدّثنا هَنّادٌ حدثنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأَعْمَشِ، عن أَبِي صَالِحِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُمْرِتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، فَإِذَا قالُوهَا عَصَمُوا مِنّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاّ بحقّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وسعد وَابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2667- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حَدّثَنَا الّليْثُ عن عُقَيْلٍ عن الزّهْرِيّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ الله بنُ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ بنِ مَسْعُودٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ ‏"‏لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ كَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ لأَبِي بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النّاسَ، وَقَدْ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أَمْرِتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ إِلاَ الله، وَمَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله عَصَمَ مِنّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاّ بِحَقّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى الله‏؟‏ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ وَالله لأُقَاتِلَنّ مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الصَلاَةِ وَالزّكَاةِ، فَإِنّ الزّكَاةَ حَقّ الْمَالِ‏.‏ وَالله لو مَنعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤَدُونَهُ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطّابِ‏:‏ فَوَالله مَا هُوَ إِلاّ أَنْ رَأَيْتُ أَنّ الله قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنّهُ الحَقّ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَهَكَذَا رَوَى شُعَيْبُ بنُ أَبِي حَمْزَةَ عن الزّهْرِيّ، عن عُبَيْدِ الله بنِ عَبْدِ الله بنِ عُتْبَةَ، عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَرَوَى عِمْرَانُ القَطّانُ هَذَا الْحَدِيثَ، عن مَعْمَرٍ، عن الزّهْرِيّ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ خَطَأُ، وَقَدْ خُولِفَ عِمْرَانُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَعْمَرٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أمرت‏)‏ أي أمرني الله لأنه لا آمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا الله‏.‏ وقياسه في الصحابي إذا قال أمرت فالمعنى أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يحتمل أن يريد أمرني صحابي آخر لأنهم من حيث أنهم مجتهدون لا يحتجون بأمر مجتهد آخر، وإذا قاله التابعي احتمل والحاصل أن من اشتهر بطاعة رئيس إذا قال ذلك فهم منه أن الاَمر له هو ذلك الرئيس ‏(‏أن أقاتل‏)‏ أي بأن أقاتل وحذف الجار من أن كثير ‏(‏حتى يقولوا لا إله إلا الله‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، وكذا في رواية لمسلم‏.‏ وفي حديث ابن عمر عند البخاري‏:‏ حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة‏.‏

قال الحافظ‏:‏ جعلت غاية المقاتلة وجود ما ذكر فمقتضاه أن من شهد وأقام وآتى عصم دمه ولو جحد باقي الأحكام، والجواب أن الشهادة بالرسالة تتضمن التصديق بما جاء به مع أن نص الحديث وهو قوله إلا بحق الإسلام يدخل فيه جمع ذلك‏.‏

فإن قيل‏:‏ فلم لم يكتف به ونص على الصلاة والزكاة فالجواب أن لعظمهما والاهتمام بأمرهما لأنهما أما العبادات البدنية والمالية انتهى ‏(‏فإذا قالوها‏)‏ أي كلمة لا إله إلا الله ‏(‏عصموا‏)‏ أي منعوا، وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء ‏(‏مني‏)‏ أي من أتباعي أو من قبلي وجهة ديني ‏(‏دماءهم وأموالهم‏)‏ أي استباحتهم بالسفك والنهب المفهوم من المقاتلة ‏(‏إلا بحقها‏)‏ أي بحق كلمة لا إله إلا الله‏.‏ وفي حديث ابن عمر المذكور إلا بحق الإسلام‏.‏ قال القاري‏:‏ إلا بحق الإسلام أي دينه والإضافة لامية والاستثناء مفرغ من أعم عام الجار والمجرور أي إذا فعلوا ذلك لا يجوز إهدار دمائهم واستباحة أموالهم بسبب من الأسباب إلا بحق الإسلام من استيفاء قصاص نفس أو طرف إذا قتل أو قطع، ومن أخذ مال إذا غصب إلى غير ذلك من الحقوق الإسلامية كقتل لنحو زنا محصن، وقطع لنحو سرقة، وتغريم مال لنحو إتلاف مال الغير المحترم ‏(‏وحسابهم على الله‏)‏ أي فيما يسترون من الكفر والمعاصي بعد ذلك‏.‏ والجملة مستأنفة أو معطوفة على جزاء الشرط‏.‏

والمعنى إنا نحكم بظاهر الحال والإيمان القولي ونرفع عنهم ما على الكفار، ونؤاخذهم بحقوق الاسلام بحسب ما يقتضيه ظاهر حالهم لا أنهم مخلصون والله يتولى حسابهم فيثيب المخلص ويعاقب ويجازي المصر بفسقه أو يعفو عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عمر‏)‏ أما حديث جابر فأخرجه مسلم والنسائي، وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه، وأما حديث عمر فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لما توفي‏)‏ بصيغة المجهول ‏(‏واستخلف‏)‏ بصيغة المجهول أيضاً أي جعل خليفة ‏(‏بعده‏)‏ أي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ‏(‏كفر من كفر‏)‏ قال الخطابي‏:‏ زعم الروافض أن هذا الحديث متناقض لأن في أوله أنهم كفروا وفي آخره أنهم ثبتوا على الإسلام إلا أنهم منعوا الزكاة، فإن كانوا مسلمين فكيف استحل قتالهم وسبي ذراريهم، وإن كانوا كفار فكيف احتج على عمر بالتفرقة بين الصلاة والزكاة فإن في جوابه إشارة إلى أنهم كانوا مقرين بالصلاة‏.‏ قال والجواب عن ذلك، إن الذين نسبوا إلى الردة كانوا صنفين صنف رجعوا إلى عبادة الأوثان وصنف منعوا الزكاة، وتأولوا قوله تعالى‏:‏ ‏(‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم‏)‏ فزعموا أن دفع الزكاة خاص به صلى الله عليه وسلم لأن غيره لا يطهرهم ولا يصلي عليهم فكيف تكون صلاته سكناً لهم، وإنما أراد عمر بقوله‏:‏ تقاتل الناس الصنف الثاني لأنه لا يردد في جواز قتال الصنف الأول كما أنه لا يتردد في قتال غيرهم من عباد الأوثان والنيران واليهود والنصارى‏.‏ قال وكأنه لم يستحضر من الحديث إلا القدر الذي ذكره وقد حفظ غيره في الصلاة والزكاة معاً‏.‏ وقد رواه عبد الرحمن بن يعقوب بلفظ يعم جميع الشريعة حيث قال فيها‏:‏ ويؤمنوا بي وبما جئت به‏.‏ فإن مقتضى ذلك أن من جحد شيئاً مما جاء به صلى الله عليه وسلم ودعا إليه فامتنع ونصب القتال أنه يجب قتاله وقتله إذا أمر‏.‏ قال وإنما عرضت الشبهة لما دخله من الاختصار وكأن راويه لم يقصد سياق الحديث على وجهه وإنما أراد سياق مناظرة أبي بكر وعمر واعتمد على معرفة السامعين بأصل الحديث‏.‏ كذا ذكر الحافظ كلام الخطابي ملخصاً ثم قال‏:‏ وفي هذا الجواب نظر لأنه لو كان عند عمر في الحديث‏:‏ حتى يقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ما استشكل قتالهم للتسوية في كون غاية القتال ترك كل من التلفظ بالشهادتين وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة‏.‏ قال عياض‏:‏ حديث ابن عمر نصر في قتال من لم يصل ولم يزك كمن لم يقر بالشهادتين، واحتجاج عمر على أبي بكر وجواب أبي بكر دل على أنهما لم يسمعا في الحديث الصلاة والزكاة إذ لو سمعه عمر لم يحتج على أبي بكر، ولو سمعه أبو بكر لرد به على عمرو لم يحتج إلى الاحتجاج بعموم قوله إلا بحقه‏.‏

قال الحافظ‏:‏ إن كان الضمير في بحقه للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله، ولذلك اتفق الصحابة على قتال من جحد الزكاة انتهى ‏(‏ومن قال لا إله الله‏)‏ يعني كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله للإجماع على أنه لا يعتد في الإسلام بتلك وحدها ‏(‏عصم‏)‏ بفتح الصاد أي حفظ ومنع ‏(‏إلا بحقه‏)‏ قال الطيبي‏:‏ أي لا يحل لأحد أن يتعرض لماله ونفسه بوجه من الوجوه إلا بحقه أي بحق هذا القول أو بحق أحد المذكورين ‏(‏وحسابه على الله‏)‏ قال الطيبي‏:‏ يعني من قال لا إله إلا الله وأظهر الإسلام نترك مقاتلته ولا نفتش باطنه هل هو مخلص أم لا‏.‏ فإن ذلك إلى الله تعالى وحسابه عليه ‏(‏من فرق بين الصلاة والزكاة‏)‏ يجوز تشديد فرق وتخفيفه، والمراد بالفرق من أقر بالصلاة وأنكر الزكاة جاحداً أو مانعاً مع الاعتراف وإنما أطلق في أول القصة الكفر ليشمل الصنفين فهو في حق من جحد حقيقة وفي حق الاَخرين مجاز تغليباً، وإنما قاتلهم الصديق ولم يعذرهم بالجهل لأنهم نصبوا القتال فجهز إليهم من دعاهم إلى الرجوع فلما أصروا قاتلهم‏.‏ قال المازري‏:‏ ظاهر السياق أن عمر كان موافقاً على قتال من جحد الصلاة فألزمه الصديق بمثله في الزكاة لورودهما في الكتاب والسنة مورداً واحداً ‏(‏فإن الزكاة حق المال‏)‏ يسير إلى دليل منع التفرقة التي ذكرها أن حق النفس الصلاة وحق المال الزكاة، فمن صلى عصم نفسه ومن زكى عصم ماله، فإن لم يصل قوتل على ترك الصلاة ومن لم يزك أخذت الزكاة من ماله قهراً، وإن نصب الحرب لذلك قوتل، وهذا يوضح أنه لو كان سمع في الحديث‏:‏ ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة لما احتاج إلى هذا الاستنباط، لكنه يحتمل أن يكون سمعه واستظهر بهذا الدليل النظري، قاله الحافظ ‏(‏والله لو منعوني عقالا‏)‏ قال في النهاية‏:‏ أراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير الذي كان يؤخذ في الصدقة، لأن على صاحبها التسليم، وإنما يقع القبض بالرباط، وقيل أراد ما يساوي عقالا من حقوق الصدقة، وقيل إذا أخذ المصدق أعيان الإبل قيل أخذ عقالا وإذا أخذ أثمانها قيل أخذ نقداً‏.‏ وقيل أراد بالعقال صدقة العام، يقال أخذ المصدق عقال هذا العام أي أخذ منهم صدقته، وبعث فلان على عقال بني فلان، إذا بعث على صدقاتهم، واختاره أبو عبيد وقال‏:‏ هو أشبه عندي بالمعنى‏.‏ وقال الخطابي‏:‏ إنما يضرب المثل في مثل هذا بالأقل لا بالأكثر وليس بسائر في لسانهم أن العقال صدقة عام، وفي أكثر الروايات‏:‏ لو منعوني عناقاً وفي أخرى جدياً‏.‏ قلت‏:‏ قد جاء في الحديث ما يدل على القولين، فمن الأول حديث عمر أنه قال يأخذ مع كل فريضة عقالا ورواه فإذا جاءت إلى المدينة باعها ثم تصدق بها‏.‏ وحديث محمد بن مسلمة‏.‏

أنه كان يعمل على الصدقة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يأمر الرجل إذا جاء بقريضتين أن يأتي بعقاليهما وقرانيهما‏.‏ ومن الثاني حديث عمر أنه أخر الصدقة عام الرمادة، فلما أحيا الناس بعث عامله فقال اعقل عنهم عقالين، فأقسم فيهم عقالا واثتني بالاَخر، يريد صدقة عامين انتهى ما في النهاية‏.‏ وقوله ورواه هو بكسر الراء وفتح الواو ممدوداً حبل يقرن به البعيران، وقيل حبل يروى به على البعير، أي يشد به المتاع عليه‏.‏ وقد بسط النووي هنا الكلام في تفسير العقال وقال‏:‏ وذهب كثيرون من المحققين إلى أن المراد بالعقال الحبل الذي يعقل به البعير‏.‏ وهذا القول يحكى عن مالك وابن أبي ذئب وغيرهما وهو اختيار صاحب التحرير وجماعة من حذاق المتأخرين انتهى ‏(‏لقاتلتهم على منعه‏)‏ أي لأجل منعه ‏(‏فوالله ما هو‏)‏ أي الشأن ‏(‏إلا أن رأيت‏)‏ أي علمت ‏(‏أن الله قد شرح صدر أبي بكر‏)‏ قال الطيبي‏:‏ المستثنى منه غير مذكور أي ليس الأمر شيئاً من الأشياء إلا علمي بأن أبا بكر محق، فهذا الضمير يفسره ما بعده نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن هي إلا حياتنا الدنيا‏}‏ ‏(‏فعرفت أنه الحق‏)‏ أي ظهر له من صحة احتجاجه لا أنه قلده في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

1626- باب ما جاءَ في قولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُمرْتُ أن أُقاتِل النّاس حتى يَقُولوا‏:‏ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَيُقِيمُوا الصّلاَةَ‏"‏

2668- حَدّثنا سَعِيدُ بنُ يَعْقُوبَ الطّالِقَانِيّ، حدثنا ابنُ المُبَارَكِ، أخبرنا حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النّاسَ حَتّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَ الله، وَأَنّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا، وَيَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنَا، وَأَنْ يُصَلّوا صَلاَتَنَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَامْوَالُهُمْ إِلاّ بِحَقّهَا، لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُسْلِمِينَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بنُ أَيّوبَ عن حُمَيْدٍ عن أَنَس نَحْوَ هذا‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأن يستقبلوا قبلتنا‏)‏ إنما ذكره مع اندراجه في الصلاة في قوله وأن يصلوا صلاتنا، لأن القبلة أعرف، إذ كل أحد يعرف قبلته وإن لم يعرف صلاته ولأن في صلاتنا ما يوجد في صلاة غيره واستقبال قبلتنا مخصوص بنا، ولم يتعرض للزكاة وغيرها من الأركان اكتفاء بالصلاة التي هي عماد الدين أو لتأخر وجوب تلك الفرائض عن زمن صدور هذا القول‏.‏ ثم لما ميز المسلم عن غيره عبادة ذكر ما يميزه عبادة وعادة بقوله‏:‏ ‏(‏ويأكلوا ذبيحتنا‏)‏ فإن التوقف عن أكل الذبائح كما هو من العبادات فكذلك من العادات الثابتة في الملل المتقدمات‏.‏ والذبيحة فعيلة بمعنى مفعولة والتاء للجنس كما في الشاة ‏(‏وأن يصلوا صلاتنا‏)‏ أي كما نصلي ولا توجد إلا من موحد معترف بنبوته، ومن اعترف به فقد اعترف بجميع ما جاء به، فلذا جعل الصلاة علماً لإسلامه ‏(‏حرمت‏)‏ قال الحافظ‏:‏ بفتح أوله وضم الراء ولم أره في شيء من الروايات بالتشديد انتهى ‏(‏إلا بحقها‏)‏ أي إلا بحق الدماء والأموال‏.‏ وفي حديث ابن عمر‏:‏ فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام ‏(‏لهم ما للمسلمين‏)‏ أي من النفع ‏(‏وعليهم ما على المسلمين‏)‏ أي من المضرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن معاذ بن جبل وأبي هريرة‏)‏ أما حديث معاذ بن جبل فأخرجه أحمد في مسنده‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أحمد وابن خزيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي‏.‏

1627- باب ما جَاءَ بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْس

2669- حَدّثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، حدثنا سُفْيَان بنُ عُيَيْنَةَ عن سُعَيرِ بنِ الْخِمْسِ التّمِيمِيّ، عن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بُنِيَ الاْسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ‏:‏ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّ مُحمّداً رَسولُ الله، وَإِقَامِ الصّلاَةِ، وَإِيْتَاءِ الزّكَاةِ وَصَومِ رمَضَانَ، وَحَجّ الْبَيْتِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَنْ جَرِيرِ بنِ عَبْدِ الله‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَ هَذَا‏.‏ وَسُعَيْرُ بنُ الْخِمْسِ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ‏.‏

2670- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا وَكِيعٌ، عن حَنْظَلَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيّ، عَنْ عِكْرِمَةَ بنِ خَالِدٍ المَخْزُومِيّ عَنْ ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن سعير‏)‏ بضم السين والعين المهملتين وآخره راء مصغراً ‏(‏بن الخمس‏)‏ بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم ثم مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بني الإسلام على خمس‏)‏ أي دعائم، وصرح به عبد الرزاق في روايته، وفي رواية لمسلم على خمسة أي أركان ‏(‏شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏ بالجر على البدل من خمس ويجوز الرفع على حذف الخبر والتقدير منها شهادة أن لا إله إلا الله أو على حذف المبتدأ والتقدير أحدها شهادة أن لا إله إلا الله ويجوز النصب بتقدير أعني ‏(‏وإقام الصلاة‏)‏ أي المداومة عليها أو المراد الإتيان بها بشروطها وأركانها ‏(‏وإيتاء الزكاة‏)‏ أي إعطائها مستحقيها بإخراج جزء من المال على وجه مخصوص‏.‏

تنبيه‏:‏

قال القسطلاني‏:‏ ‏(‏علي‏)‏ في قوله بني الإسلام على خمس بمعنى من وبهذا يحصل الجواب عما يقال إن هذه الخمس هي الإسلام فكيف يكون الإسلام مبنياً عليها، والمبنى لا بد أن يكون غير المبني عليه‏.‏ ولا حاجة إلى جواب الكرماني بأن الإسلام عبارة عن المجموع غير كل واحد من أركانه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ إن ثبت مجيء على بمعنى من، فحينئذ لا حاجة إلى جواب الكرماني، وإلا فلا شك أن إليه حاجة لدفع الاعتراض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جرير بن عبد الله‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي‏)‏ بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة المكى ثقة حجة من السادسة ‏(‏عن عكرمة بن خالد‏)‏ بن العاص بن هشام المخزومي، ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أي حديث حنظلة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر حديث حسن صحيح، وأخرجه الشيخان أيضاً من هذا الطريق‏.‏

1628- باب ما جَاءَ فِي وَصْفِ جِبْرَيلَ لِلنبيّ صلى الله عليه وسلم الإيمَانَ وَالإسْلام

2671- حَدّثنا أَبُو عَمّارِ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيّ، أخبرنا وَكِيعٌ عن كَهْمَسِ بنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ الله بنِ بُرَيْدَةَ، عن يَحْيَى بنِ يَعْمُرَ قَالَ‏:‏ ‏"‏أَوّلُ مَنْ تَكَلّمَ فِي القَدَرِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيّ قالَ‏:‏ فخَرَجْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِمْيِريّ حَتّى أَتَيْنَا المَدِينَةَ، فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلنَاهُ عَمّا أَحْدَثَ هَؤلاَءِ القَوْمُ قال فَلَقِينَاهُ، يَعْنِي عَبْدَ الله بنَ عُمَرَ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ المَسْجِدِ، قال فَاكْتَنَفَتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي قال فَظَنَنْتُ أَنّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الكَلاَمَ إِلَيّ، فَقلت‏:‏ يَا أَبَا عَبْدِ الرحمنِ، إِنّ قَوْماً يَقْرأُونَ القُرْآنَ وَيَتَقَفّرُونَ العِلْمَ، وَيَزْعُمُونَ أَنْ لا قَدَرَ، وَأَنّ الأَمْرَ أُنُفٌ قَالَ‏:‏ فَإِذَا لَقَيْتَ أُولَئِكَ فَاخْبِرْهُمْ أَنّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ، وَأَنّهُمْ مِنّي بُرَآء‏.‏ وَالّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ الله لَوْ أَنّ أَحَدَهُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَى يُؤمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ ثُمّ أَنْشَأَ يُحَدّثُ، فَقَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ بنُ الْخَطّابِ كُنّا عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَجَاءَ رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنّا أَحَدٌ حَتّى أَتَى النبيّ صلى الله عليه وسلم، فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ، ثُمّ قَالَ‏:‏ يَا مُحمّدُ ما الاْيمَانُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ أَنْ تُؤمِنَ بِالله وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَاليَوْمِ الاَخِرِ، وَالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ‏.‏ قالَ‏:‏ فَمَا الاْسْلاَمُ، قَالَ‏:‏ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامُ الصّلاَةِ وَإِيْتَاءِ الزّكَاةِ وَحَجّ الْبَيْتِ، وَصومُ رَمَضَانَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَمَا الاْحْسَانُ‏؟‏ أَنْ تَعْبُدَ الله كَأَنّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنّهُ يَرَاكَ‏.‏ قالَ‏:‏ فِي كِلّ ذَلِكَ يَقُولُ لَهُ صَدَقْتَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَتَعَجَبْنَا مِنْهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدّقُهُ‏.‏ قالَ‏:‏ فَمَتَى السّاعَةُ‏؟‏ قالَ‏:‏ مَا المَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السّائِلِ، قالَ‏:‏ فَمَا أَمَارَتُهَا‏؟‏ قالَ‏:‏ أن تَلِدَ الأَمَةُ رَبّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعَاءَ الشّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي البُنْيَانِ قالَ عمَرُ‏:‏ فَلَقِيَنِي النبيّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلاَثٍ، فَقَالَ‏:‏ يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السّائِلُ‏؟‏ ذَاكَ جِبْرَيلُ أَتَاكُمْ يُعَلّمُكُمْ معالم دينُكُمْ‏.‏ د

2672- حدّثنا أَحْمَدُ بنُ مُحمّدٍ، أخبرنا ابْنُ المُبَارَكِ، أخبرنا كَهَمْسُ ابنُ الْحَسَنِ بِهَذَا الاْسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

2673- حدّثنا مُحمّدُ بنُ المُثَنّى، حَدّثَنَا مُعَاذُ بنُ معاذ، عَنْ كَهمسُ بِهَذَا اْلإِسْنَادِ نَحْوَهُ بمعناه‏.‏

وفي البابِ عن طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ الله وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ وَأَبي هُرَيْرَةَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ هَذَا عن عمر‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن ابنِ عُمَرَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وَالصّحِيحُ هُوَ ابنِ عُمَرَ، عن عُمَر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن كهمس‏)‏ بفتح كاف وميم بينهما هاء ساكنة وبسين مهملة ‏(‏ابن الحسن‏)‏ التميمي أبي الحسن البصري، ثقة من الخامسة‏.‏ ووقع في النسخة الأحمدية في باب الصلاة قبل المغرب في سند حديث عبد الله بن مغفل كهمس بن الحسين بالتصغير وهو غلط والصحيح كهمس بن الحسن بالتكبير كما هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أول من تكلم في القدر‏)‏ أي أول من قال ينفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أهل الحق، ويقال القدر والقدر بفتح الدال وإسكانها لغتان مشهورتان ‏(‏معبد الجهني‏)‏ بضم الجيم نسبة إلى جهينة قبيلة من قضاعة، ومعبد هذا هو ابن خالد الجهني كان يجالس الحسن البصري، وهو أول من تكلم في البصرة بالقدر فسلك أهل البصرة بعده مسلكه لما رأوا عمرو بن عبيد ينتحله، قتله الحجاج أبن يوسف صبراً أو قيل أنه معبد بن عبد الله بن عويمر نقله النووي عن السمعاني ‏(‏فاكتنفته أنا وصاحبي‏)‏ يعني صرنا في ناحيتيه وكنفا الطائر جناحاه، وزاد وزاد مسلم‏:‏ فقال أحدنا عن يمينه والاَخر عن شماله ‏(‏فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ‏)‏ لم تقع هذه العبارة في بعض النسخ ومعناها يسكت ويفوضه إليّ لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني، فقد جاء عنه في رواية‏:‏ لأني كنت أبسط لساناً ‏(‏فقلت يا أبا عبد الرحمن‏)‏ كنية عبد الله بن عمر ‏(‏إن قوماً يقرأون القرآن ويتقفرون العلم‏)‏ بتقديم القاف على الفاء أي يطلبونه، وفي رواية مسلم‏:‏ ظهر قبلنا ناس يقرأون القرآن ويتقفرون العلم‏.‏ قال النووي‏:‏ هو بتقديم القاف على الفاء معناه يطلبونه ويتتبعونه، هذا هو المشهور‏.‏ وقيل معناه يجمعونه، ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان يتفقرون بتقديم الفاء وهو صحيح أيضاً معناه يبحثون على غمضة ويستخرجون خفيه‏.‏ وروي في غير مسلم‏:‏ يتقفون بتقديم القاف وحذف الراء وهو صحيح أيضاً ومعناه أيضاً يتتبعون ‏(‏ويزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف‏)‏ بضم الهمزة والنون أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى وإنما يعلمه بعد وقوعه‏.‏ وهذا القول قول غلاتهم وليس قول جميع القدرية، وكذب قائله وضل وافترى عافانا الله وسائر المسلمين ‏(‏قال‏)‏ أي ابن عمر ‏(‏إني منهم بريء وأنهم مني برآء‏)‏ بضم الموحدة وفتح الراء جمع بريء كحكيم وحكماه، وأصل البراءة الانفصال من الشيء‏.‏ والمعنى أني لست منهم وهم ليسوا مني ‏(‏والذي يحلف به عبد الله لو أن أحدهم أنفق‏)‏ يعني في سبيل الله تعالى أي طاعته كما جاء في رواية أخرى ‏(‏ما قبل ذلك منه حتى يؤمن بالقدر‏)‏ ‏(‏خيره وشره‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا الذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما ظاهر في تكفير القدرية‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ هذا في القدرية الأولى الذين نفوا تقدم علم الله تعالى بالكائنات‏.‏ وقال‏:‏ والقائل بهذا كافر بلا خلاف‏.‏ وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة‏.‏ قال غيره‏:‏ ويجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة فيكون من قبيل كفران النعم إلا أن قوله ‏(‏ما قبله الله منه‏)‏ ظاهر في التكفير فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم لا يقبل عمله بمعصية وإن كان صحيحاً كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة‏.‏ غير محوجة إلى القضاء عند جماهير العلماء بل باجماع السلف وهي غير مقبولة فلا ثواب فيها على المختار عن أصحابنا انتهى ‏(‏ثم أنشأ يحدث‏)‏ أي جعل يحدث ابن عمر ‏(‏شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر‏)‏ بإضافة شديد إلى ما بعده إضافة فقظية مقيدة للتخفيف فقط صفة رجل واللام في الموضعين عوض عن المضاف إليه العائد إلى الرجل أي شديد بياض ثيابه شديد سواد شعره ‏(‏لا يرى عليه أثر السفر‏)‏ روى بصيغة المجهول الغائب ورفع الأثر وهو رواية الأكثر والأشهر‏.‏ وروى بصيغة المتكلم المعلوم ونصب الأثر والجملة حال من رجل أو صفة له، والمراد بالأثر بالتعب والتغيير والغبار ‏(‏فألزق ركبته بركبته‏)‏ وفي رواية مسلم‏:‏ فأسند ركبتيه ووضع كفيه على مخذيه‏.‏ قال النووي‏:‏ معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه وجلس على هيئة المتعلم انتهى‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ وفي رواية لسليمان التيمي‏:‏ ليس عليه سحناء السفر وليس من البلد‏.‏ فتخطى حتى برك بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم كما يجلس أحدنا في الصلاة ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا في حديث ابن عباس وأبي عامر الأشعري‏:‏ ثم وضع يده على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم، فأفادت هذه الرواية أن الضمير في قوله على فخذيه يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وبه جزم البغوي وإسماعيل التيمي بهذه الرواية ورجحه الطيبي بحثاً لأنه نسق الكلام خلافاً لما جزم به النووي، ووافقه التوربشتي لأنه حمله على أنه جلس كهيئة المتعلم بين يدي من يتعلم منه، وهذا وإن كان ظاهراً من السياق لكن وضعه يديه على فخذي النبي صلى الله عليه وسلم صنيع منبه للإصغاء إليه ‏(‏ثم قال يا محمد ما الإيمان‏)‏ فإن قيل كيف بدأ بالسؤال قبل السلام أجيب بأنه يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في التعمية لأمره أو ليبين أن ذلك غير واجب أو سلم فلم ينقله الراوي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا الثالث هو المعتمد، فقد ثبت في رواية أبي فروة ففيها بعد قوله كأن ثيابه لم يمسها دنس حتى سلم من طرف البساط فقال السلام عليك يا محمد فرد عليه السلام، قال أدنوا يا محمد‏؟‏ قال أدن فما زال يقول أدنو مراراً ويقول له أدن، ونحوه في رواية عطاء عن ابن عمر لكن قال السلام عليك يا رسول الله وفي رواية مطر الوراق فقال رسول الله أدنو منك‏؟‏ قال أدن ولم يذكر السلام، فاختلفت الروايات هل سلم أولا‏؟‏ فمن ذكر السلام مقدم على من سكت عنه ‏(‏قال أن تؤمن بالله‏)‏ أي بوجوده وأنه متصف بصفات الكمال منزه عن صفات النقص ‏(‏وملائكته‏)‏ الإيمان بالملائكة هو التصديق بوجودهم وأنهم كما وصفهم الله تعالى عباد مكرمون وقدم الملائكة على الكتب والرسل نظراً للترتيب الواقع لأنه سبحانه وتعالى أرسل الملك بالكتاب إلى الرسول، وليس فيه متمسك لمن فضل الملك على الرسول ‏(‏وكتبه‏)‏ الإيمان بكتب الله التصديق بأنها كلام الله وأن ما تضمنته حق ‏(‏ورسله‏)‏ الإيمان بالرسل‏:‏ التصديق بأنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله، ودل الإجمال في الملائكة والكتب والرسل على الاكتفاء بذلك في الإيمان بهم غير تفصيل إلا من ثبتت تسميته فيجب الإيمان به على التعيين ‏(‏واليوم الأخر‏)‏ المراد بالإيمان به التصديق بما يقع فيه من الحساب والميزان والجنة والنار ‏(‏والقدر‏)‏ مصدر، تقول قدرت الشيء بتخفيف الدال وفتحها أقدره بالكسر والفتح قدراً وقدراً‏:‏ إذا أحطت بمقداره‏.‏ والمراد أن الله تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد ما سبق في علمه، أنه يوجد فكل محدث صادر عن علمه وقدرته وإرادته، هذا هو المعلوم من الدين بالبراهين القطعية وعليه كان السلف من الصحابة وخيار التابعين إلى أن حدثت بدعة القدر في أواخر زمن الصحابة ‏(‏خيره وشره‏)‏ بالجر بدل من القدر ‏(‏قال شهادة أن لا إله إلا الله‏)‏ أن مخففة من المثقلة أي أنه والضمير للشأن ولا هو النافية للجنس على سبيل التنصيص على نفي كل فرد من أفراده ‏(‏وأن محمداً عبده ورسوله‏)‏ أي وشهادة أن محمداً الخ‏.‏ قال الخطابي في معالم السنن‏:‏ ما أكثر ما يغلط الناس في هذا المسألة فأما الزهري فقال‏:‏ الإسلام الكلمة والإيمان العمل واحتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قالت الأعراب آمناً قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا لما يدخل الإيمان في قلوبكم‏}‏ وذهب غيره الى أن الإيمان والإسلام شيء واحد واحتج بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين‏}‏، قال الخطابي‏:‏ والصحيح من ذلك أي يقيد الكلام في هذا ولا يطلق وذلك أن المسلم قد يكون مؤمناً في بعض الأحوال ولا يكون مؤمناً في بعضها والمؤمن مسلم في جميع الأحوال فكل مؤمن مسلم وليس كل مسلم مؤمناً وإذا حملت الأمر على هذا استقام لك تأويل الاَيات واعتدل القول فيها ولم يختلف شيء منها وأصل الإيمان التصديق وأصل الإسلام الاستسلام والانقياد، فقد يكون المرء مستسلماً في الظاهر غير منقاد في الباطن، وقد يكون صادقاً في الباطن غير منقاد في الظاهر انتهى قال العيني في العمدة بعد نقل كلام الخطابي هذا ما لفظه‏:‏ هذا إشارة إلى أن بينهما عموماً وخصوصاً مطلقاً كما صرح به بعض الفضلاء والحق أن بينهما عموماً وخصوصاً من وجه لأن الإيمان أيضاً قد يوجد بدون الإسلام كما في شاهق الجبل إذا عرف الله بعقله وصدق بوجوده ووحدته وسائر صفاته قبل أن تبلغه دعوة نبي، وكذا في الكافر إذا اعتقد جميع ما يجب الإيمان به اعتقاداً جازماً ومات فجأة قبل الإقرار والعمل انتهى‏.‏ وقال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قالت الأعراب آمنا الخ‏}‏‏:‏ قد استفيد من هذه الاَية الكريمة أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئاً، فقال سعد رضي الله عنه‏:‏ يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلاناً ولم تعط فلانا شيئاً وهو مؤمن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أو مسلم حتى أعادها سعد ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم أو مسلم الحديث‏.‏ أخرجه الشيخان فقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمن والمسلم فدل على أن الإيمان أخص من الإسلام، وقد قررنا ذلك بأدلته في أول شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري انتهى‏.‏ ‏(‏قال فما الإحسان الخ‏)‏ هو مصدر تقول أحسن يحسن إحساناً ويتعدى بنفسه وبغيره تقول أحسنت كذا إذا اتقنته وأحسنت إلى فلان إذا أوصلت إليه النفع، والأول هو المراد لأن المقصود إتقان العبادة وقد يلحظ الثاني بأن المخلص مثلا محسن بإخلاصه إلى نفسه وإحسان العبادة الإخلاص فيها والخشوع وفراغ البال حال التلبس بها ومراقبة المعبود‏.‏ وأشار في الجواب إلى حالتين أرفعهما أي يغلب عليه مشاهدة الحق حتى كأنه يراه بعينه وهو قوله كأنك تراه أي وهو يراك والثانية أن يستحضر أن الحق مطلع عليه يرى كل ما يعمل وهو قوله فإنه يراك، وهاتان الحالتان يثمرهما معرفة الله وخشيته‏.‏

وقال النووي‏:‏ هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلم لأن لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى لم يترك شيئاً مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إلا أتى به، فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ اعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان فإن التتميم المذكور في حال العيان إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه فلا يقدم العبد على تقصير في هذا الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك تعالى في إتمامه الخشوع والخضوع وغير ذلك ‏(‏قال‏)‏ أي عمر رضي الله عنه ‏(‏يقول‏)‏ أي جبرئيل عليه السلام ‏(‏صدقت‏)‏ بفتح الفوقية ‏(‏قال‏)‏ أي عمر رضي الله عنه ‏(‏فتعجبنا منه يسأله ويصدقه‏)‏ سبب تعجبهم أن هذا خلاف عادة السائل الجاهل، إنما هذا كلام خبير بالمسئوال عنه ولم يكن في ذلك الوقت من يعلم هذا غير النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏قال فمتى الساعة‏)‏ أي متى تقوم الساعة واللام للعهد والمراد يوم القيامة ‏(‏ما المسئول عنها‏)‏ ما نافية ‏(‏بأعلم‏)‏ الباء زائدة لتأكيد النفي‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وهذا وإن كان مشعرا بالتساوي في العلم لكن المراد التساوي في العلم بأن الله تعالى استأثر بعلمها لقوله بعد خمس لا يعلمها إلا الله‏.‏ قال النووي‏:‏ يستنبط منه أن العالم إذا سئل عما لا يعلم بأنه لا يعلمه ولا يكون في ذلك نقص من مرتبته بل يكون ذلك دليلا على مزيد ورعه ‏(‏فما أمارتها‏)‏ بفتح الهمزة والأمارة والأمار بإثبات الهاء وحذفها هي العلامة ‏(‏قال أن تلد الأمة ربتها‏)‏ قال النووي‏:‏ وفي الرواية الأخرى ربها على التذكير، وفي أخرى بعلها، قال يعني السراري ومعنى ربها وربتها سيدها ومالكها وسيدتها ومالكتها‏.‏ وقال الأكثرون من العلماء هو إخبار عن كثرة السراري وأولادهن، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه بالإذن، وإما بما يعلمه بقرينة الحال أو عرف الاستعمال‏.‏

وقيل معناه أن الاَباء يلدن الملوك، فتكون أمه، من جملة رعيته وهو سيدها، وسيد غيرها من رعيته، وهو قول إبراهيم الحربي‏.‏

وقيل معناه أنه تفسد أحوال الناس فيكثر بيع أمهات الأولاد في آخر الزمان فيكثر تردادها في أيدي المشترين حتى يشتريها ابنها ولا يدري، ويحتمل على هذا القول أن لا يختص هذا بأمهات الأولاد فإنه متصور في غيرهن فإن الأمة تلد ولداً حراً من غير سيدها بشبهة أو ولداً رقيقاً بنكاح أو زنا، ثم تباع الأمة في الصورتين بيعاً صحيحاً، وتدور في الأيدي حتى يشتريها ولدها، وهذا أكثر وأعم من تقديره في أمهات الأولاد‏.‏

وقيل في معناه غير ما ذكرناه ولكنها أقوال ضعيفة جداً أو فاسد فتركتها‏.‏ وأما بعلها فالصحيح في معناه أن البعل هو المالك أو السيد، فيكون بمعنى ربها على ما ذكرنا‏:‏ قال أهل اللغة بعل الشيء ربه ومالكه‏.‏ قال ابن عباس والمفسرون في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أتدعون بعلا‏}‏ أي رباً وقيل المراد بالبعل في الحديث الزوج ومعناه نحو ما تقدم أنه يكثر بيع السراري حتى يتزوج الإنسان أمه ولا يدري، وهذا أيضاً معنى صحيح إلا أن الأول أظهر لأنه إذا أمكن حمل الروايتين في القضية الواحدة على معنى واحد كان أولى ‏(‏وأن ترى‏)‏ خطاب عام ليدل على بلوغ الخطب في العلم مبلغاً لا يختص به رؤية راء ‏(‏الحفاة‏)‏ بضم الحاء جمع الحافي وهو من لا فعل له ‏(‏العراة‏)‏ جمع العاري وهو صادق على من يكون بعض بدنه مكشوفاً مما يحسن، وينبغي أن يكون ملبوساً ‏(‏العالة‏)‏ جمع عائل وهو الفقير من عال يعيل إذا افتقر أو من عال يعول إذا افتقر وكثر عياله ‏(‏ورعاء الشاء‏)‏ بكسر الراء والمد جمع راع كتاجر وتجار الشاء جمع شاء والأظهر أنه اسم جنس ‏(‏يتطاولون في البنيان‏)‏ أي يتفاضلون في ارتفاعه وكثرته ويتفاخرون في حسنه وزينته وهو مفعول ثان إن جعلت الرؤية فعل البصيرة أو حال إن جعلتها فعل الباصرة‏.‏ ومعناه أن أهل البادية وأشباههم من أهل الحاجة والفاقة تتبسط لهم الدنيا حتى يتباهون في البنيان ‏(‏فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بثلاث‏)‏ في ظاهر هذا مخالفة لقوله في حديث أبي هريرة عند الشيخين‏:‏ ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ردوه علي‏"‏ فأخذوا ليردوه، فلم يروا شيئاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏هذا جبريل‏"‏‏.‏ فيحتمل الجمع بينهما أن عمر رضي الله عنه لم يحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم لهم في الحال، بل كان قد قام من المجلس فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرين في الحال وأخبر عمر بعد ثلاث إذ لم يكن حاضر وقت إخبار الباقين ‏(‏فقال‏:‏ يا عمر هل تدري من السائل‏)‏ زاد مسلم في روايته‏:‏ قلت الله ورسوله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد‏)‏ بن موسى أبو العباس المعروف بمردويه ‏(‏أخبرنا معاذ بن هشام‏)‏ وفي بعض النسخ‏:‏ أخبرنا معاذ بن معاذ وهو الظاهر لأن مسلماً روى هذا الحديث من طريق عبيد الله بن معاذ العنبري، حدثنا أبي حدثنا كهمس ووالد عبيد الله هذا هو معاذ بن معاذ بن نصر بن حسان العنبري أبو المثنى البصري القاضي، ثقة متقن من كبار التاسعة، روى عن كهمس وغيره، وعنه ابنه عبيد الله وأبو موسى محمد بن المثنى وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن طلحة بن عبيد الله وأنس بن مالك وأبي هريرة‏)‏ أما حديث طلحة بن عبيد الله فأخرجه الشيخان، وأما حديث أنس فأخرجه البزار والبخاري في خلق أفعال العباد وإسناده حسن كذا في الفتح‏.‏ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح حسن‏)‏ وأخرجه مسلم ‏(‏وقد روى من غير وجه نحو هذا‏)‏ أي عن عبد الله بن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

1629- باب ماجَاءَ فِي إِضَافَةِ الْفَرائِضِ إِلَى الايْمَان

أي نسبتها إليه بأن تجعل الفرائض من الإيمان أو يطلق هو عليها

2674- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا عَبّادُ بنُ عَبّادٍ الْمُهَلّبِيّ عن أَبي جَمْزَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ قالَ‏:‏ ‏"‏قَدِمَ وَفَدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا إِنّا هَذَا الْحَيّ مِنْ رَبِيعَةَ وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاّ فِي أشّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَيْءٍ نَأْخُدُهُ عَنْكَ وَندْعُوا إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، فَقَالَ‏:‏ آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ‏:‏ الاْيمَانُ بِالله، ثُمّ فَسّرَهَا لَهُمْ‏:‏ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله، وَأَنّي رَسُولُ الله، وَإِقَامُ الصّلاَةِ، وَإِيْتَاءُ الزّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدّوا خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ‏"‏‏.‏

2675- حدّثنا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرنَا حَمّادُ بنُ زَيْدٍ، عن أَبِي جَمْرَةَ عن ابنِ عَبّاسٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ‏.‏ وَأَبو جَمْرَةَ الضّبَعِيّ اسْمُهُ نَصْرُ بنُ عِمْرَانَ‏.‏ وَقَدْ رواه شُعْبَةُ عن أَبي جَمْرَةَ أَيْضاً، وَزَادَ فِيِه‏.‏ أَتَدْرُونَ مَالإِيمانُ‏؟‏ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّي رَسُولُ الله، وَذَكَرَ الْحَدَيِثَ‏.‏ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بنَ سَعِيدٍ يَقُولُ‏:‏ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَؤْلاَءِ الفُقَهَاءِ الأَشْرَافِ الأَرْبَعَةِ‏:‏ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَالّليْثِ بنِ سَعْدٍ وَعَبّادِ بنِ عَبّادٍ المُهَلِبِيّ وَعَبْدِ الوَهّابِ الثّقَفِيّ‏.‏ قَالَ قُتَيْبَةُ‏:‏ كُنّا نَرْضَى أَنْ نَرْجِعَ كُلّ يَوْمِ مِنْ عِنْدِ عَبّادِ بنِ عَبّادِ بِحَدِيثَينِ‏.‏ وَعَبّادُ بنُ عَبّادٍ هُوَ مِنْ وَلَدِ المُهَلّبِ بنِ أَبِي صُفْرَةَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي ‏(‏وقد روى شعبة عن أبي جمرة أيضاً، وزاد فيه أتدرون ما الإيمان الخ‏)‏ رواية شعبة هذه أخرجها الشيخان ‏(‏قال قتيبة وكنا نرضى أن نرجع كل يوم من عند عباد بن عباد مجديين‏)‏ هذا كناية عن كونه ثقة‏.‏ وأما إيراد ابن الجوزي في موضوعات حديث أنس إذا بلغ العبد أربعين سنة من طريق عبد هذا ونسبته إلى الوضع وإفحاش القول فيه فوهم منه شنيع جداً فإنه التبس عليه براً وآخر كما في تهذيب التهذيب‏.‏

1630- باب في اسْتِكمَالِ الاْيمَان وَزِيادَتِهِ ونقْصَانِه

قال العيني في شرح البخاري‏:‏ النوع الثالث في أن الإيمان هل يزيد وينقص وهو أيضاً من فروع اختلافهم في حقيقة الإيمان‏.‏ فقال بعض من ذهب إلى أن الإيمان هو التصديق‏:‏ أن حقيقة التصديق شيء واحد لا يقبل الزيادة والنقصان‏.‏ وقال آخرون‏:‏ إنه لا يقبل النقصان لأنه لو نقص لا يبقى إيماناً ولكن يقبل الزيادة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً‏}‏ ونحوها من الاَيات‏.‏ وقال الداودي‏:‏ سئل مالك عن نقص الإيمان وقال قد ذكر الله تعالى زيادته في القرآن وتوقف عن نقصه، وقال لو نقص لذهب كله‏.‏ وقال ابن بطال‏:‏ مذهب جماعة من أهل السنة من سلف الأمة وخلفها‏:‏ أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص والحجة على ذلك ما أورده البخاري قال فإيمان من لم تحصل له الزيادة ناقص‏.‏ وذكر الحافظ أبو القاسم هبة الله اللالكائي في كتاب شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة‏:‏ أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وبه قال من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وابن عباس وابن عمر وعمار وأبو هريرة وحذيفة وسلمان وعبد الله بن رواحة وأبو أمامة وجندب بن عبد الله وعمير بن حبيب وعائشة رضي الله تعالى عنهم‏.‏ ومن التابعين‏:‏ كعب الأحبار وعروة وعطاء وطاوس ومجاهد وابن أبي مليكة وميمون بن مهران وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والحسن ويحيى بن أبي كثير والزهري وقتادة وأيوب ويونس وابن عون وسليمان التيمي وإبراهيم النخعي وأبو البحتري وعبد الكريم الجريري وزيد بن الحارث والأعمش ومنصور والحكم وحمزة الزيات وهشام بن حسان ومعقل بن عبيد الله الجريري، ثم محمد بن أبي ليلى والحسن بن صالح ومالك بن مغول ومفضل بن مهلهل وأبو سعيد الفزاري وزائدة وجرير بن عبد الحميد وأبو هشام عبد ربه وعبثر بن القاسم وعبد الوهاب الثقفي وابن المبارك وإسحاق بن إبراهيم وأبو عبيد بن أسلام وأبو محمد الدارمي والذهلي ومحمد بن أسلم الطوسي وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود وزهير بن معاوية وزائدة وشعيب بن حرب وإسماعيل بن عياش والوليد بن مسلم والوليد بن محمد والنضر بن شميل والنضر بن محمد‏.‏ وقال سهل بن متوكل‏:‏ أدركت ألف أستاذ كلهم يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص‏.‏ وقال يعقوب بن سفيان‏:‏ أن أهل السنة والجماعة على ذلك بمكة والمدينة والبصرة والكوفة والشام منهم عبيد الله ابن يزيد المقري وعبد الملك الماجشون ومطرف ومحمد بن عبيد الله الأنصاري والضحاك بن مخلد وأبو الوليد وأبو النعمان والقعني وأبو نعيم وعبيد الله بن موسى وقبيصة وأحمد بن يونس وعمرو بن عون وعاصم بن على وعبد الله بن صالح كاتب الليث وسعيد بن أبي مريم والنضر بن عبد الجبار وابن بكير وأحمد بن صالح وإصبغ بن الفرج وآدم بن أبي إياس وعبد الأعلى بن مسهر وهشام بن عمار وسليمان بن عبد الرحمن وعبد الرحمن بن إبراهيم وأبو اليمان الحكم بن نافع وحيوة ابن شريح ومكي بن إبراهيم وصدقة بن الفضل ونظراؤهم من أهل بلادهم‏.‏

وذكر أبو الحسن عبد الرحمن بن عمر في كتاب الإيمان ذلك عن خلق‏.‏ قال‏:‏ وأما توقف مالك عن القول بنقصان الإيمان فخشية أن يتناول عليه موافقة الخوارج‏.‏ وقال رسته‏:‏ ما ذاكرت أحداً من أصحابنا من أهل العلم مثل علي بن المديني وسليمان- يعني ابن حرب والحميدي وغيرهم إلا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وكذا روي عن عمير بن حبيب وكان من أصحاب الشجرة وحكاه اللالكائي في كتاب السنن عن وكيع وسعيد بن عبد العزيز وشريك وأبي بكر ابن عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة والحمادين وأبي ثور والشافعي وأحمد بن حنبل‏.‏ وقال الإمام‏:‏ هذا البحث لفظي لأن المراد بالإيمان إن كان هو التصديق فلا يقبلهما، وإن كان الطاعات فيقبلهما ثم قال‏:‏ الطاعات مكملة للتصديق فكل ما قام من الدليل على أن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان كان مصروفاً إلى أصل الإيمان الذي هو التصديق، وكل ما دل على كون الإيمان يقبل الزيادة والنقصان فهو مصروف إلى الكامل وهو مقرون بالعمل‏.‏ وقال بعض المتأخرين الحق أن الإيمان يقبلهما سواء كان عبارة عن التصديق مع الأعمال وهو ظاهر، أو بمعنى التصديق وحده لأن التصديق بالقلب هو الاعتقاد الجازم، وهو قابل للقوة والضعف فإن التصديق بجسمية الشبح الذي بين أيدينا أقوى من التصديق بجسميته إذا كان بعيداً عنا، ولأنه يبتدي في التنزيل من أجلى البديهيات، كقولنا النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان، ثم ينزل إلى ما دونه كقولنا الأشياء المتساوية بشيء واحد متساوية ثم إلى أجلى النظريات كوجود الصانع، ثم إلى ما دونه ككونه مرئياً ثم إلى أخفاها كاعتقاد أن العرض لا يبقى زمانين‏.‏

وقال بعض المحققين‏:‏ الحق أن التصديق يقبل الزيادة والنقصان بوجهين‏:‏ الأول القوة والضعف لأنه من الكيفيات النفسانية وهي تقبل الزيادة والنقصان كالفرح والحزن والغضب ولو لم يكن كذلك يقتضي أن يكون إيمان النبي صلى الله عليه وسلم وأفراد الأمة سواء وأنه باطل إجماعاً، ولقول إبراهيم عليه السلام ‏(‏ولكن ليطمئن قلبي‏)‏‏.‏ الثاني‏:‏ التصديق التفصيلي في أفراد ما علم مجيئه به جزء من الإيمان يثاب عليه ثوابه على تصديقه بالاَخر‏.‏ وقال بعضهم في هذا المقام الذي يؤدي إليه نظري أنه ينبغي أن يكون الحبق الحقيق بالقبول أن الإيمان بحسب التصديق يزيد بحسب الكمية المعظمة وهي العدد قبل تقرر الشرائع بأن يؤمن الإنسان بجملة ما ثبت من الفرائض ثم يثبت فرض آخر فيؤمن به أيضاً، ثم وثم فيزداد إيمانه، أو يؤمن بحقيقة كل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم إجمالاً قبل أن تبلغ إليه الشرائع تفصيلا، ثم تبلغه فيؤمن بها تفصيلا بعدما آمن به إجمالاً فيزداد إيمانه‏.‏

فإن قلت‏:‏ يلزم من هذا تفضيل آمن من بعد تقرير الشرائع على من مات في زمن الرسول عليه السلام من المهاجرين والأنصار، لأن إيمان أولئك أزيد من إيمان هؤلاء‏.‏

قلت‏:‏ لا نسلم أن هذه الزيادة سبب التفضيل في الاَخرة، وسند المنع أن كل واحد من هذين الفريقين مؤمن بجميع ما يجب الإيمان به يحسب زمانه وهما متساويان في ذلك، وأيضاً إنما يلزم تفضيلهم على الصحابة بسبب زيادة عدد إيمانهم لو لم يكن لإيمانهم ترجيح باعتبار آخر وهو قوة اليقين وهو ممنوع لأن لإيمانهم ترجيحاً، ألا ترى إلى قوله عليه السلام‏:‏ لو وزن إيمان أبي بكر مع إيمان جميع الخلق لرجح إيمان أبي بكر رضي الله عنه‏.‏ ولا ينقص الإيمان بحسب العدد قبل تقرر الشرائع ولا يلزم ترك الإيمان بنقص ما يجب الإيمان به، ويزيد وينقص بحسب العدد بعد تقرر الشرائع بتكرار التصديق والتلفظ بكلمتي الشهادة مرة بعد أخرى بعد الذهول عنه تكراراً كثيراً أو قليلا، ويزيد وينقص مطلقاً أي قبل تقرر الشرائع وبعده بحسب الكيفية أي القوة والضعف بحسب ظهور أدلة حقية المؤمن به وخفائها وقوتها وضعفها وقوة اعتقاد المقلد في المقلد وضعفه‏.‏ وروى عن بعض المحققين أنه قال‏:‏ الأظهر أن نفس التصديق يزيد بكثرة النظر وتظاهر الأدلة، ولهذا يكون إيمان الصديقين والراسخين في العلم أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا تغريهم الشبهة ولا يزلزل إيمانهم معارض، ولا تزال قلوبهم منشرحة للإسلام وإن اختلفت عليهم الأحوال، انتهى كلام العيني بلفظه‏.‏ وقال بعد ورقة‏:‏ قوله يزيد وينقص أي الإيمان والإسلام يقبل الزيادة والنقصان هذا على تقدير دخول القول والفعل فيه ظاهر وأما على تقدير أن يكون نفس التصديق فإنه أيضاً يزيد وينقص أي قوة وضعفاً، أي إجمالا وتفصيلا أو تعدداً بحسب تعدد المؤمن به كما حققناه فيما مضى انتهى‏.‏

قلت‏:‏ قول من قال من أهل العلم إن نفس التصديق يزيد وينقص هو الحق والصواب والله تعالى أعلم

2676- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ البَغْدَادِيّ، حَدّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَلِيّةَ، أخبرنا خَالِدٌ الْحَذّاءِ عن أَبي قلاَبَةَ عَن عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ‏:‏ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ مِنْ أَكْمَلِ المُؤمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بنِ مَالِكِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيح وَلاَ نَعْرِدفُ لأَبي قِلاَبَةَ سَمَاعاً مِنْ عَائِشَةَ‏.‏ وَقَدْ رَوَى أَبُو قِلاَبَةَ عن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ- رَضِيعٍ لِعَائِشَةَ- عن عَائِشَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ‏.‏ وَأَبُو قِلاَبَةَ اسْمُهُ عَبْدُ الله بنُ زَيْدٍ الْجَرْمِيّ‏.‏

2677- حدّثنا ابنُ أَبِي عُمَرَ، أخبرنا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ قَالَ ذَكَرَ أَيّوبُ السّخْتِيَانِيّ أَبَا قِلاَبَةَ فَقَالَ‏:‏ كَانَ وَالله مِنَ الفُقَهَاءِ ذَوِي الألْبَابِ‏.‏

2678- حدّثنا أَبُو عَبْدِ الله هُرَيْمُ بنُ مِسْعَرٍ الأَزْدِيّ التِرْمِذِيّ، أخبرنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ مُحَمّدٍ، عن سُهَيْلٍ بنِ أَبي صَالحٍ، عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النّاسَ فَوَعَظَهُمْ ثُمّ قَالَ‏:‏ ‏"‏يَا مَعْشَرَ النّسَاءِ تَصَدّقْنَ فَإِنَكُنّ أَكْثَرُ أَهْلِ النّارِ، فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ‏:‏ وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قَالَ‏:‏ لِكَثْرَةِ لَعْنِكُنّ، يَعْنِي وَكُفْرِكُنّ العَشِيرَ قَالَ‏:‏ وَمَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذَوِي الأَلْبَابِ وَذَوِي الرّأْيِ مِنْكُنّ‏.‏ قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْهُنّ‏:‏ وَمَا نقصانُ عقلها ودينها‏؟‏ قال‏:‏ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مِنْكُنّ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ‏.‏ وَنُقْصَانُ دِينِكُنّ الْحَيْضَةُ، فَتَمْكُثُ إِحْدَاكُنّ الثّلاَثَ وَالأَرْبَعَ لاَتُصَلّي‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبي سَعِيدٍ وَابنِ عَمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ صحيحٌ من هذا الوجه‏.‏

2679- حدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا وَكُيعٌ عن سُفْيَانَ عن سُهَيْلِ بنِ أَبي صَالحٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الاْيمَانُ بِضْعٌ وسَبْعُونَ بَاباً فَأَدْناهَا إِمَاطَةُ الأَذى عن الطّرِيقِ، وَأَرْفَعُهَا قوْلُ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَكَذَا رَوَى سُهَيْلُ بنُ أَبي صَالحٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن أَبي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ‏.‏ وَرَوَى عُمَارَةَ بنُ غَزِيّةَ هَذَا الْحَدِيثَ عن أَبي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ ‏"‏الإِيمَانُ أَرْبَعَةٌ وَسِتّونَ بَاباً‏"‏‏.‏

2680- حدّثنا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ، أخبرنا بَكْرُ بنُ مُضَرَ عن عُمَارَةَ بنِ غَزِيّةَ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً‏)‏ بضم اللام ويسكن لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان ‏(‏وألطفهم بأهله‏)‏ أي أرفقهم وأبرهم بنسائه وأولاده وأقاربه وعترته‏.‏ وفي الحديث‏:‏ أن المؤمنين كلهم ليسوا في الإيمان بل بعضهم أكمل إيماناً من بعض، وبه مطابقة لحديث الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة وأنس بن مالك‏)‏ أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي وأخرجه أبو داود مختصراً، وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي في صفة جهنم وأخرجه أيضاً الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه الحاكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان والله من الفقهاء ذوي الألباب‏)‏، زاد الحافظ في تهذيب التهذيب بعد هذا‏:‏ ما أدركت بهذا المصر رجلا كان أعلم بالفقهاء من أبي قلابة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عبد الله بن هريم‏)‏ بضم الهاء وفتح الراء مصغراً ‏(‏بن مسعر‏)‏ بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين ‏(‏الأزدي الترمذي‏)‏ مقبول من العاشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خطب الناس‏)‏ وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضح أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال‏:‏ يا معشر النساء تصدقن الخ ‏(‏ثم قال يا معشر‏)‏ النساء أي جماعتهن والخطاب عام غلبت الحاضرات على الغيب قال أهل اللغة‏:‏ المعشر هم الجماعة الذين أمرهم واحد، أي مشتركون، وهو اسم يتناولهم كالإنس معشر والجن معشر والأنبياء معشر والنساء معشر ونحو ذلك وجمعه معاشر ‏(‏تصدقن‏)‏ أمر لهن أي أعطين الصدقة ‏(‏ولم ذاك‏)‏ أصله لما حذفت ألف ما الاستفهامية بدخول حرف الجر عليها تخفيفاً واللام متعلقة مقدر بعدها والواو إما للعطف على مقدر قبله والتقدير فقالت كيف يكون ذاك ولأي شيء نكون أكثر أهل النار، أو زائدة ليدل على أنه متصل بما قبله لا سؤال مستقل بنفسه منقطع عما قبله ‏(‏لكثرة لعنكن‏)‏ اللعن هو الدعاء بالإبعاد من رحمه الله تعالى ‏(‏يعني‏:‏ وكفركن العشير‏)‏ هذا وقول بعض الرواة، وفي حديث أبي سعيد تكثرن اللعن وتكفرن العشير‏.‏ قال النووي‏:‏ العشير بفتح العين وكسر الشين وهو في الأصل المعاشر مطلقاً والمراد هنا الزوج انتهى‏.‏ وكفران العشير جحد نعمته وإنكارها أو سترها بترك شكرها، واستعمال الكفران في النعمة والكفر في الدين أكثر ‏(‏من ناقصات عقل ودين‏)‏ صفة موصوف محذوف أي ما رأيت أحداً من ناقصات ‏(‏أغلب لذوي الألباب‏)‏ أي لذوي العقول والألباب جمع اللب، وهو العقل الخالص من شوب الهوى، وفيه مبالغة لأنه إذا كان ذو اللب والرأي مغلوباً فغيره أولى ‏(‏منكن‏)‏ متعلق بأغلب ‏(‏وما نقصان عقلها ودينها‏)‏ كأنه خفي عليها ذلك حتى سألت عنه ‏(‏قال شهادة امرأتين منكن بشهادة رجل‏)‏ وفي حديث أبي سعيد‏:‏ أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل‏؟‏ قال الحافظ‏:‏ أشار بقوله مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء‏}‏ لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها ‏(‏ونقصان دينكن الحيضة‏)‏ بفتح الحاء، ‏(‏فتمكثن إحداكن الثلاث والأربع‏)‏ أي ثلاث ليال مع أيامها وأربع ليال مع أيامها ‏(‏لا تصلي‏)‏ أي ولا تصوم وفي حديث أبي سعيد أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ‏(‏قلن بلى‏)‏ قال‏:‏ فذلك من نقصان دينها‏.‏ قال النووي‏:‏ وأما وصفه صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان الدين لتركهن الصلاة والصوم في زمن الحيض فقد يستشكل معناه وليس بمشكل بل هو ظاهر، فإن الدين والإيمان والإسلام مشتركة في معنى واحد كما قدمنا في مواضع‏.‏ وقد قدمنا أيضاً في مواضع أن الطاعات تسمى إيماناً وديناً‏.‏ وإذا اثبت هذا علمنا أن من كثرت عبادته زاد إيمانه ودينه، ومن نقصت عبادته نقص دينه انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي سعيد وابن عمر‏)‏ أما حديث أبي سعيد فقد تقدم تخريجه آنفاً‏.‏ وأما حديث ابن عمر، فأخرجه مسلم نحو حديث أبي سعيد وأبي هريرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏الإيمان بضع وسبعون باباً‏)‏ وفي روايات الشيخين ‏"‏شعبة‏"‏ مكان باباً، فالمراد بالباب هنا الشعبة وهي القطعة من الشيء والمراد الخصلة أو الجزء، قاله الحافظ‏.‏ والبضع بكسر الباء هو ما بين الثلاث إلى التسع أو إلى الخمس، أو ما بين الواحدة إلى الرابعة أو من أربع إلى تسع أو هو سبع كذا في القاموس‏.‏ اعلم أنه وقع في هذه الرواية بضع وسبعون، ووقع في رواية البخاري في كتاب الإيمان بضع وستون، وفي رواية لمسلم بضع وسبعون، وفي أخرى له بضع وسبعون أو بضع وستون بالشك ووقع في الرواية الاَتية أربعة وستون‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وأما رواية الترمذي بلفظ أربع وستون فمعلولة، وعلى صحتها لا تخالف رواية البخاري، وترجيح رواية بضع وسبعون لكونها زيادة ثقة كما ذكره الحليمي، ثم عياض لا يستقيم إذ الذي زادها لم يستمر على الجزم بها لا سيما مع اتحاد المخرج‏.‏ وقد رجح ابن الصلاح الأقل لكونه المتيقن ‏(‏فأدناها‏)‏ أي أقربها منزلة وأدونها مقداراً ومرتبة بمعنى أقربها تناولا وأسهلهما تواصلا من الدنو بمعنى القرب، فهو ضد فلان بعيد المنزلة أي رفيعها أو من الدناءه أي أقلها فائدة لأنها دفع أدنى ضرر ‏(‏إماطة الأذى‏)‏ أي تنحيته وإبعاده، والمراد بالأذى كل ما يؤذي من حجر ومدر أو شوك أو غيره ‏(‏وأرفعها قول لا إله إلا الله‏)‏ وفي رواية مسلم أفضلها مكان أرفعها‏.‏ قال القاضي‏:‏ قد نبه صلى الله عليه وسلم على أن أفضلها التوحيد المتعين على كل أحد والذي لا يصح شيء من الشعب إلا بعد صحته، وأدناها ما يتوقع ضرره بالمسلمين من إماطة الأذى عن طريقهم، وبقي بين هذين الطريقين أعداد لو تكلف المجتهد تحصيلها بغلبه الظن وشدة التتبع لأمكنه، وقد فعل ذلك بعض من تقدم، وفي الحكم بأن ذلك مراد النبي صلى الله عليه وسلم صعوبة، ثم إنه لا يلزم معرفة أعيانها، ولا يقدح جهل ذلك في الإيمان، إذ أن أصول الإيمان وفروعه معلومة محققة والإيمان بأن هذا العدد واجب في الجملة انتهى‏.‏ وقد صنف في تعيين هذه الشعب جماعة منهم الإمام أبو عبد الله الحليمي صنف فيها كتاباً سماه فوائد المنهاج، والحافظ أبو بكر البيهقي وسماه شعب الإيمان والشيخ عبد الجليل أيضاً سماه شعب الإيمان، وإسحاق بن القرطبي وسماه كتاب النصائح، والامام أبو حاتم وسماه وصف الإيمان وشعبه، قاله العيني‏.‏ وقال الحافظ في الفتح‏:‏ ولم يتفق من عد الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة ابن حبان لكن لم يقف على بيانه من كلامه، وقد لخصت مما أورده ما أذكره ثم ذكره الحافظ بقوله وهو أن هذه الشعب تتفرع من أعمال القلب وأعمال اللسان، وأعمال البدن‏.‏ فأعمال القلب فيها المعتقدات والنيات وتشتمل على أربع وعشرين خصلة الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ أخرجه الجماعة‏.‏

1631- باب ما جَاءَ أن الْحَيَاءُ مِنَ الإِيمانِ‏"‏

تقدم تفسير الحياء لغة وشرعاً في باب الحياء من أبواب البر والصلة

2681- حَدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ وَأَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، المَعْنَى وَاحِدٌ‏.‏ قالا‏:‏ حدثنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن الزّهْرِيّ، عن سَالِمٍ عن أَبِيِه أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم مَرّ بِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ في الحَيَاءِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْحَيَاءُ مِنَ الاْيمَانِ‏"‏ قال أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ في حَدِيِثِه‏:‏ ‏"‏إِنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ رَجُلاً يَعِظُ أَخَاهُ في الْحَيَاءِ‏"‏‏.‏

قال‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وفي البابِ عن أَبي هُرَيْرَةَ وَأَبي بكرة وأَبي أُمَامة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وهو يعظ أخاه في الحياء‏)‏ أي ينصح أو يخوف أو يذكر كذا شرحوه، والأولى أن يشرح بما جاء عند البخاري في الأدب ولفظه‏:‏ يعاتب أخاه في الحياء يقول‏:‏ إنك لتستحي حتى كأنه يقول قد أضربك انتهى‏.‏ ويحتمل أن يكون جمع له العتاب والوعظ فذكر بعض الرواة ما لم يذكره الاَخر لكن المخرج متحد، فالظاهر أنه من تصرف الراوي بحسب ما اعتقد أن كل لفظ منهما يقوم مقام الاَخر، وفي سببية‏.‏ فكأن الرجل كان كثير الحياء فكان ذلك يمنعه من استيفاء حقوقه فعاتبه أخوه على ذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعه أي اتركه على هذا الخلق السيء، ثم زاد في ذلك ترغيب الحكمة بأنه من الإيمان، وإذا كان الحياء يمنع صاحبه من استيفاء حق نفسه جر له ذلك تحصيل أجر ذلك الحق لا سيما إذا كان المتروك له مستحقاً كذا في الفتح ‏(‏الحياء من الإيمان‏)‏ أي بعضه أو من شعبه قاله القاري‏:‏ وقد ذكر النووي كلاماً نافعاً مفيداً فيما يتعلق بالحياء ونقلناه عن شرح مسلم في باب الحياء فعليك أن تطالعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏ وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي هريرة‏)‏ أخرجه الترمذي في باب الحياء‏.‏

1632- باب مَا جَاءَ فِي حُرْمَةِ الصلاة

2682- حَدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا عَبْدُ الله بنُ مُعَاذٍ الصّنْعَانِيّ عن مَعْمَرٍ عن عَاصِمِ بنِ أَبي النّجُودِ عن أَبي وَائِلٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قَالَ‏:‏ ‏"‏كُنْتُ مَعَ النبيّ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْماً قَرِيباً مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ الله أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الْجَنّةَ وَيُبَاعِدُنِي عنِ النّارِ، قَالَ‏:‏ ‏"‏لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنّهُ لَيَسِيرُ عَلَى مَنْ يَسّرَهُ الله عَلَيْهِ‏:‏ تَعْبُدُ الله وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئَاً، وَتُقِيمُ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، ثُمّ قَالَ‏:‏ أَلاَ أَدُلّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ‏:‏ الصّوْمُ جُنّةٌ، وَالصّدَقَةُ تطفئ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النّارَ، وَصَلاَةُ الرّجُلِ مِنْ جَوفِ الّليْلِ، قَالَ‏:‏ ثُمّ تَلاَ ‏{‏تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبّهُمْ‏}‏ حَتّى بَلَغَ ‏{‏يَعْمَلُونَ‏}‏ ثُمّ قَالَ‏:‏ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ‏:‏ قلت‏:‏ بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ‏:‏ رَأْسُ الأَمْرِ الاْسْلاَمُ، وَعُمودُهُ الصّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ‏.‏ ثمّ قَالَ‏:‏ أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلّهِ، قلت‏:‏ بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ‏:‏ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ‏:‏ كُفّ عَلَيْكَ هَذَا‏.‏ فَقلت‏:‏ يَا نَبِيّ الله وَإِنّا لَمُؤَاخَذُونَ بمَا نَتَكَلّمُ بِهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ ثَكِلَتْكَ أمّك يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبّ النّاسَ في النّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ، إِلاَ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2683- حدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، حدثنا عَبْدُ الله بنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ الْحَارِثِ عن دَرّاج أَبِي السّمْحِ عن أَبي الْهَيْثَمِ، عن أَبي سَعِيدٍ قال‏:‏ قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا رَأَيْتُمُ الرّجُلَ يَتَعَاهَدُ المَسْجَدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بالإِيمَانِ‏"‏ فَإِنّ الله تعالى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله مَنْ آمَنَ بالله وَاليَوْمِ الاَخِرِ وَأَقَامَ الصّلاَةَ وَآتَى الزّكَاةَ‏}‏ الاَية‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ حسنٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله بن معاذ‏)‏ بن نشيط، بفتح النون بعدها معجمة، الصنعاني صاحب معمر صدوق تحامل عليه عبد الرزاق من التاسعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير‏)‏ وفي رواية قال‏:‏ بينما نحن نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وقد أصابنا الحر فتفرق القوم فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربهم مني فدنوت منه وقلت ‏(‏أخبرني بعمل يدخلني الجنة‏)‏ برفع يدخل على أنه صغة عمل إما مخصصة أو مادحة أو كاشفة، فإن العمل إذا لم يكن بهذه الحيثية كأنه لا عمل، وقيل بالجزم وفيه تكلف ‏(‏عن عظيم‏)‏ أي عن عمل عظيم فعله على النفوس ‏(‏وإنه ليسير‏)‏ أي هين سهل ‏(‏على من يسره الله‏)‏ أي جعله سهلا ‏(‏تعبد الله‏)‏ إما بمعنى الأمر وكذا ما بعده وإما خبر مبتدأ محذوف تعويلا على أقوى الدليلين، أي هو أن تعبد أي العمل الذي يدخلك الجنة عبادتك الله بحذف أن، أو تنزيل الفعل منزلة المصدر، وعدل عن صيغة الأمر تنبيهاً على أن المأمور كأنه متسارع إلى الامتثال وهو بخبر عنه إظهاراً لرغبته في وقوعه، وفصله عن الجملة الأولى لكونه بياناً أو استئنافاً ‏(‏ألا أدلك على أبواب الخير‏)‏ أي الطرق الموصلة به ‏(‏الصوم جنة‏)‏ بضم الجيم الترس أي مانع من النار أو من المعاصي بكسرة الشهوة وضعف القوة‏.‏ وقال في النهاية‏:‏ الصوم جنة أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات، والجنة الوقاية انتهى‏.‏ ‏(‏والصدقة تطفئ الخطيئة‏)‏ من الإطفاء أي تذهبها وتمحو أثرها، أي إذا كانت متعلقة بحق الله تعالى، وإذا كانت من حقوق العباد فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضاً عن مظلمته ‏(‏وصلاة الرجل من جوف الليل‏)‏ مبتدأ خبره محذوف أي كذلك يعن تطفي الخطيئة‏.‏ أو هي من أبواب الخير والأول أظهر‏.‏ قال القاضي‏:‏ وقيل الأظهر أن بقدر الخبر وهو شعار الصالحين كما في جامع الأصول ذكره القاري ‏(‏ثم تلا‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏{‏تتجافى جنوبهم‏}‏ أي تتباعد ‏(‏عن المضاجع‏)‏ أن المفارش والمراقد ‏{‏يدعون ربهم‏}‏ بالصلاة والذكر والقراوة والدعاء ‏(‏حتى بلغ يعملون‏)‏ بقية الاَية خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون ‏(‏ألا أخبرك برأس الأمر كله‏)‏ أي بأصل كل أمر ‏(‏وعموده‏)‏ بفتح أوله أي ما يقوم ويعتمد عليه ‏(‏وذروة سنامه‏)‏ بكسر الذال وهو الأشهر وبضمها وحكي فتحها أعلى الشيء والسنام بالفتح ما ارتفع عن ظهر الجمل قريب عنقه ‏(‏قال رأس الأمر‏)‏ أي أمر الدين ‏(‏الإسلام‏)‏ يعني الشهادتين وهو من باب التشبيه المقلوب، إذ المقصود تشبيه الإسلام برأس الأمر ليشعر بأنه من سائر الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه ‏(‏وعموده الصلاة‏)‏ يعني الإسلام هو أصل الدين إلا أنه ليس له قوة وكمال، كالبيت الذي ليس له عمود فإذا صلى وداوم قوى دينه ولم يكن له رفعة فإذا جاهد حصل لدينه رفعة وهو معنى قوله‏:‏ ‏(‏وذروة سنامه الجهاد‏)‏ وفيه إشعار إلى صعوبة الجهاد وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال، والجهاد من الجهد بالفتح وهو المشقة، أو بالضم وهو الطاقة لأنه يبذل الطاقة في قتال العدو عند فعل العدو مثل ذلك ‏(‏ألا أخبرك بملاك ذلك كله‏)‏ الملاك ما به إحكام الشيء وتقويته، من ملك العجين إذا أحسن عجنه وبالغ فيه، وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها والرواية بالكسر وذلك إشارة إلى ما ذكر من أول الحديث إلى هنا من العبادات، وأكده بقوله كله لئلا يظن خلاف الشمول، أي بما تقوم به تلك العبادات جميعها ‏(‏فأخذ‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏بلسانه‏)‏ الباء زائدة والضمير راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏قال كف‏)‏ الرواية بفتح الفاء المشددة أي امنع ‏(‏هذا‏)‏ إشارة إلى اللسان أي لسانك المشافة له، وتقديم المجرور على المنصوب للاهتمام به وتعديته بعلى للتضمين، أو بمعنى عن، وإيراد اسم الإشارة لمزيد التعيين أو للتحقير وهو مفعول كف، وإنما أخذ عليه الصلاة والسلام بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاء بالقول، تنبيهاً على أن أمر اللسان صعب‏.‏ والمعنى لا تكلم بما لا يعنيك، فإن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ولكثرة الكلام مفاسد لا تحصى ‏(‏وإنا لمؤاخذون‏)‏ بالهمز ويبدل، أي هل يؤاخذنا ببعض الكلام ‏(‏ثكلتك‏)‏ بكسر الكاف أي فقدتك وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره، ولا يراد وقوعه، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة وتعجيب وتعظيم للأمر ‏(‏وهل يكب‏)‏ بفتح الياء وضم الكاف من كبه إذا صرعه على وجهه بخلاف أكب فإن معناه سقط على وجهه وهو من النوادر، وهو عطف على مقدر أي هل تظن غير ما قلت وهل يكب ‏(‏الناس‏)‏ أي يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم ‏(‏على وجوههم أو على مناخرهم‏)‏ شك من الراوي، والمنخر بفتح الميم وكسر الخاء وفتحهما ثقب الأنف، والاستفهام للنفي خصهما بالكب لأنهما أول الأعضاء سقوطاً ‏(‏إلا حصائد ألسنتهم‏)‏ أي محصوداتها، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل وهو من بلاغة النبوة، فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس والجيد والردي، فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنا وقبيحاً‏.‏

والمعنى لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم من الكفر والقدف والشتم والغيبة والنميمة والبهتان ونحوها والاستثناء مفرغ، وهذ الحكم وارد على الأغلب أي على الأكثر لأنك إذا جربت لم تجد أحداً حفظ لسانه عن السوء ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادراً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن الحارث‏)‏ الأنصاري مولاهم المصري ‏(‏عن دراج‏)‏ بفتح الدال المهملة وشدة الراء آخره جيم ‏(‏أبي السمح‏)‏ بمهملتين الأولى مفتوحة والميم ساكنة قيل اسمه عبد الرحمن ودراج لقب السهمي مولاهم المصري القاص صدوق في حديثه عن أبي الهيثم ضعف من الرابعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا رأيتم الرجل يتعاهد المسجد‏)‏ أي يخدمه ويعمره، وقيل المراد التردد إليه في إقامة الصلاة وجماعته وهذا هو التعهد الحقيقي وهو عمارته صورة ‏(‏فاشهدوا له بالإيمان‏)‏ أي بأنه مؤمن‏.‏ قال الطيبي‏:‏ التعهد والتعاهد الحفظ بالشيء، وورد في بعض الروايات وهي رواية للترمذي‏:‏ يعتاد بدل يتعاهد وهو أقوى سنداً وأوفق معنى لشموله جميع ما يناط به المسجد من العمارة واعتياد الصلاة وغيرها ألا ترى إلى ما أشهد به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فاشهدوا له، أي اقطعوا له القول بالإيمان لأن الشهادة قول صدر عن مواطأة القلب على القطع‏.‏ وقال ابن حجر‏:‏ بل التعهد أولى لأنه مع شموله لذلك يشمل تعهدها بالحفظ والعمارة والكنس والتطييب وغير ذلك كما يدل عليه استشهاده عليه السلام بالاَية الاَتية كذا في المرقاة‏.‏ قلت‏:‏ رواية الترمذي التي فيها ‏"‏يعتاد‏"‏ أخرجها هو في التفسير ‏(‏إنما يعمر مساجد الله‏)‏ أي بإنشائها أو ترميمها أو إحيائها بالعبادة والدروس قال صاحب الكشاف‏:‏ عمارتها كنسها وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر وصيانتها عما لم تبن له المساجد من حديث الدنيا فضلا عن فضول الحديث انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والدارمي وابن خزيمة والحاكم وقال صحيح‏.‏ وقال الذهبي‏:‏ في إسناده دراج وهو كثير المناكير نقله ميرك عن التخريج‏.‏

1633- باب ما جَاءَ في تَرْكِ الصّلاة

2684- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، أخبرنا جَرِيرٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عن الأعْمَشِ، عن أَبي سُفْيَانَ، عن جَابِرٍ أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَ الْكُفْرِ وَالإِيمانِ تَرْكُ الصَلاَةِ‏"‏‏.‏

2685- حدّثنا هَنّادٌ، أخبرنا أَسْبَاطُ بنُ مُحّمدٍ، عن الأَعْمَشِ بِهَذَا اْلإِسْنَادِ نَحْوَهُ وقالَ‏:‏ ‏"‏بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ تَرْكُ الصّلاَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو سُفْيَانَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بنُ نَافِعٍ‏.‏

2686- حدّثنا هَنّادٌ، حدثنا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ عن أَبي الزّبَيْرِ عن جَابِرٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصّلاَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو الزّبَيْرِ اسْمُهُ مُحمّدُ بنُ مُسْلِمِ بنِ تَدْرُسَ اشتهر بالتدريس‏.‏

2687- حدّثنا أَبُو عَمّارٍ الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ وَيُوسُفُ بنُ عِيسَى، قالا‏:‏ أخبرنا الْفَضْلُ بنُ مُوسَى عن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ ح‏.‏ قالا‏:‏‏.‏

2688- وَحدّثنا أَبُو عَمّارٍ الحسين بن حريث وَمحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، قالا‏:‏ حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ عن أَبِيِه قالَ‏:‏ ح‏.‏

2689- وَحدّثنا مُحمّدُ بنُ عَلِيّ بنِ الْحَسَنِ الشّقِيِقيّ وَ مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، قالاَ‏:‏ حدثنا عَلِيّ بنُ الْحُسَيْنِ بنِ شَقِيقٍ، عن الْحُسَيْنِ بنِ وَاقِدٍ، عن عَبْدِ الله بنُ بُرَيْدَةَ عن أَبِيِه قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏الْعَهْدُ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصّلاَةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَنَسٍ وَابنِ عَبّاسٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏

2690- حدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنا بِشْرُ بنُ المُفَضّلِ عن الْجُرَيْرِيّ عن عَبْدِ الله بنِ شَقِيقٍ العُقَيْلِيّ قالَ‏:‏ ‏"‏كَان أَصْحَابُ مُحمّدٍ صلى الله عليه وسلم لاَ يَرَوْنَ شَيْئَاً مِنَ الأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصّلاَةِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ سمعت ابا مصعبٍ المدني يقول‏:‏ من قال‏:‏ الإِيمان قولٌ يُستتابُ فإِن تَاب وإِلاّ ضُرِبت عُنُقُهُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا جرير‏)‏ بن عبد الحميد ‏(‏وأبو معاوية‏)‏ اسمه محمد بن خازم الضرير الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين الكفر والإيمان ترك الصلاة‏)‏ أي ترك الصلاة وصلة بين الكفر والإيمان‏.‏ قال ابن الملك‏:‏ متعالق بين محذوف تقديره تركها وصلة بينه وبينه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ قد يقال لما يوصل الشيء إلى الشيء من شخص أو هدية هو بينهما‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ ترك الصلاة مبتدأ والظرف المقدم خبره، والظاهر أن فعل الصلاة هو الحاجز بين العبد والكفر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏بين العبد وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة‏)‏ كذا وقع في نسخ الترمذي أو الكفر بلفظ ‏"‏أو‏"‏ ووقع في رواية مسلم والكفر بالواو‏.‏ قال النووي‏:‏ هكذا هو في جميع الأصول من صحيح مسلم ‏"‏الشرك والكفر‏"‏ بالواو، وفي مخرج أبي عوانة الإسفرايني وأبي نعيم الأصبهاني ‏"‏أو الكفر‏"‏ بأو لكل واحد منهما وجه ومعنى بينه ويبن الشرك ترك الصلاة، أي الذي يمنع من كفره كونه لم يترك الصلاة فإذا تركها لم يبق بينه وبين الشرك حائل بل دخل فيه، إن الشرك والكفر قد يطلقان بمعنى واحد وهو الكفر بالله تعالى، وقد يفرق بينهما فيختص المشرك بعبدة الأوثان وغيرها من المخلوقات مع اعترافهم بالله تعالى ككفار قريش فيكون الكفر أعم من الشرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏وأبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس‏)‏ بفتح المثناة وسكون الدال المهملة وضم الراء‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏ويوسف بن عيسى‏)‏ أبو يعقوب المروزي ‏(‏أخبرنا الفضل بن موسى‏)‏ السيناني المروزي ‏(‏عن الحسين بن واقد‏)‏ المروزي‏.‏‏.‏‏.‏ ‏(‏أخبرنا علي ابن الحسين بن واقد‏)‏ المروزي صدوق يهم من العاشرة ‏(‏وحدثنا محمد بن علي بن الحسن الشقيقي‏)‏ المروزي ثقة صاحب حديث من الحادية عشرة‏.‏ ‏(‏أخبرنا علي بن الحسين بن شقيق‏)‏ أبو عبد الرحمن المروزي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏العهد الذي بيننا وبينهم‏)‏ يعني المنافقين ‏(‏الصلاة‏)‏ أي هو الصلاة بمعنى أنها الموجبة لحقن دمائهم كالعهد في حق المعاهدين ‏(‏فمن تركها فقد كفر‏)‏ أي فإذا تركوها برئت منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار نتقاتلهم كما نقاتل من لا عهد له‏.‏ قال القاضي‏:‏ ضمير الغائب يعني في قوله وبينهم للمنافقين شبه الموجب لإبقائهم وحقن دمائهم بالعهد المتقتضى لإبقاء المعاهد والكف عنه، والمعنى أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين في حضور صلاتهم ولزوم جماعتهم وانقيادهم للأحكام الظاهرة، فإذا تركوا ذلك كانوا هم والكفار سواء‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام لما استؤذن في قتل النافقين‏:‏ ألا إني نهيت عن قتل المصلين‏.‏

قيل‏:‏ يمكن أن يكون ضمير الغائبين عاماً فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان منافقاً أو لا، يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي الدرداء‏:‏ لا تترك صلاة مكتوبة متعمداً فمن تركها متعمداً فقد برئت منه الذمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أنس وابن عباس‏)‏ أما حديث أنس فأخرجه الطبراني في الأوسط بإسناد لا بأس به ولفظه‏:‏ من ترك الصلاة متعمداً فقد كفر جهاراً، ورواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة ولفظه‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ بين العبد والكفر أو الشرك ترك الصلاة فإذا ترك الصلاة فقد كفر‏.‏ ورواه ابن ماجة عن يزيد الرقاشي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ليس بين العبد والشرك إلا ترك الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك‏.‏ وأما حديث ابن عباس فأخرجه يعلى بإسناد حسن ولفظه‏:‏ عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان‏.‏ كذا في الترغيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح‏.‏ ولا نعرف له علة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا يرون‏)‏ من الرأي أي لا يعتقدون ‏(‏من الأعمال‏)‏ صفة لقوله شيئاً ‏(‏تركه كفر‏)‏ صفة ثانية له ‏(‏غير الصلاة‏)‏ استثناء، والستثنى منه الضمير الراجع إلى ‏"‏شيئاً‏"‏ قاله الطيبي، والمراد ضمير تركه ثم الحصر يفيد أن ترك الصلاة عندهم كان من أعظم الوزر وأقرب إلى الكفر‏.‏ قاله القاري‏.‏

قلت‏:‏ بل قول عبد الله بن شقيق هذا بظاهره يدل على أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يعتقدون أن ترك الصلاة كفر، والظاهر من الصيغة أن هذه المقالة اجتمع عليها الصحابة‏.‏ لأن قوله كان أصحاب رسول الله جمع مضاف وهو من المشعرات بذلك، وأثر عبد الله بن شقيق هذا أخرجه الحاكم أيضاً وصححه على شرطهما، وذكره الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه‏.‏

قال الشوكاني في النيل في باب حجة من كفر تارك الصلاة‏:‏ لا خلاف بين المسلمين في كفر من ترك الصلاة منكراً بوجوبها إلا أن يكون قريب عهد بالاسلام أو لم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة، وإن كان تركه لها تكاسلا مع اعتقاده لوجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف في ذلك‏.‏ فذهب الجماهير من السلف والخلف منهم مالك والشافعي إلى أنه لا يكفر بل يفسق فإن تاب وإلا قتلناه حداٍ كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف‏.‏ وذهب من السلف إلى أنه يكفر وهو مروى عن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل، وبه قال عبد الله إبن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة المزني صاحب الشافعي إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي‏.‏

احتج الأولون على عدم كفره بقول الله عز وجل ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏ بما سيأتي من الأحاديث في باب حجة من لم يكفر تارك الصلاة ولم يقطع عليه بخلو كحديث عبادة بن الصامت خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر له‏.‏ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

واحتجوا على قتله بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ وبقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أمرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا دماءهم وأموالهم إلا بحقها‏"‏ الحديث‏.‏ متفق عليه‏.‏ وتألوا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة‏"‏‏.‏ وسائر أحاديث الباب على أنه مستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، وأنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر أو على أن فعله فعل الكفار‏.‏

واحتج أهل القول الثاني بأحاديث الباب‏.‏

واحتج أهل القول الثالث على عدم الكفر بما احتج به أهل القول الأول وعلى عدم القتل بحديث‏:‏ لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث وليس فيه الصلاة‏.‏

والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمي تارك الصلاة بذلك الاسم وجعل الحائل بين الرجل وبين إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة فتركها مقتض لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي أوردها الأولون، لأنا نقول لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع المغفرة واستحقاق الشفعاعة ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفراً، فلا من ملجىُ إلى التأويلات التي وقع الناس في مضيقها‏.‏ وأما أنه يقتل فلأن حديث‏:‏ أمرت أن أقاتل الناس‏.‏ يقضي بوجوب القتل لاستلزام المقاتلة له، وقد شرط الله في القرآن التخلية بالتوبة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة فقال‏:‏ ‏{‏فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم‏}‏ فلا يخلي من لم يقم الصلاة، انتهى كلام الشوكاني مختصراً ملخصاً‏.‏

قلت‏:‏ لو تأملت في ما حققه الشوكاني في تارك الصلاة من أنه كافر، وفي ما ذهب إليه الجمهور من أنه لا يكفر، لعرفت أنه نزاع لفظي، لأنه كما لا يخلد هو في النار ولا يحرم من الشفاعة عند الجمهور، كذلك لا يخلد هو فيها ولا يحرم منها عند الشوكاني أيضاً‏.‏

1634- باب

2691- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا الّليثُ عن ابنِ الْهَادِ، عن مُحَمّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الْحَارِثِ، عن عَامِرِ بنِ سَعْدٍ بن أبي وقّاص، عن الْعَبّاسِ بنِ عَبْدِ المُطّلِبِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏ذَاقَ طَعْمَ الاْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا وَ باْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ نَبِيّا‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2692- حدّثنا ابنُ أَبي عُمَرَ، أخبرنا عَبْدُ الوَهّابِ الثّقَفِيّ عن أَيّوبَ عن أَبِي قِلاَبَةَ، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏ثَلاَثٌ مَنْ كُنّ فِيِه وَجَدَ بِهِنّ طَعْمَ الاْيمَانِ‏:‏ مَنْ كَانَ الله وَرَسُولُهُ أَحَبّ إِلَيْهِ مِمّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبّ المَرْءَ لاَ يُحِبُهُ إِلاّ لله، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ في الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ الله مِنْهُ، كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النّارِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رَوَاهُ قَتَادَةُ عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن الهاد‏)‏ اسمه يزي بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي، أبو عبد الله المدني، ثقة مكثر من الخامسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذاق طعم الإيمان من رضي بالله‏)‏ قال صاحب التحرير‏:‏ معنى رضيت بالشيء قنعت به واكتفيت به ولم أطلب معه غيره‏.‏ فمعنى الحديث لم يطلب غير الله تعالى ولم يسمع في غير طريق الإسلام ولم يسلك إلا بما يوافق شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خالطت حلاوة الإيمان قلبه وذاق طعمه‏.‏ وقال القاضي عياض‏:‏ معنى الحديث صح إيمانه واطمأت به نفسه وخامر باطنه، لأن رضاه بالمذكورات دليل لثبوت معرفته ونفاذ بصيرته ومخالطة بشاشته قلبه، لأن من رضي أمر سهل عليه، فكذا المؤمن إذا دخل قلبه الإيمان سهل عليه طاعات الله تعالى ولذت له ‏(‏رباً‏)‏ بالنصب على التمييز وكذا أخوانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد ومسلم‏.‏

- وله‏:‏ ‏(‏عن أيوب‏)‏ هو ابن أبي تميمة السختياني‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثلاث‏)‏ مبتدأ والجملة الشرطية خبره وجازمع أنه نكرة لأن التقدير خصال ثلاث ‏(‏وجد بهن‏)‏ أي بسبب وجودهن ‏(‏طعم الإيمان‏)‏ بفتح الطاء أي لذاته، وفي رواية لمسلم‏:‏ حلاوة الإيمان‏.‏ قال العلماء معنى حلاوة الإيمان استلذاذه الطاعات وتحمله المشاق في رضى الله ورسوله، وإيثار ذلك على عرض الدنيا ومحبة العبد لله سبحانه وتعالى بفعل طاعته وترك مخالفته، وكذا محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال القاضي عياض‏:‏ هذا الحديث بمعنى حديث‏:‏ ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً إلخ، وذلك أنه لا تصح محبة الله تعالى ورسوله حقيقة وحب الأدمي في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وكراهته الرجوع في الكفر إلا لمن قوي بالإيمان يقينه، واطمأنت به نفسه، وانشرح له صدره، وخالط لحمه ودمه، وهذا هو الذي وجد حلاوته‏.‏ قال‏:‏ والحب في الله من ثمرات حب الله وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب، ثم الميل قد يكون لما يستلذه الإنسان ويستحسنه كحسن الصورة والصوت والطعام ونحوها‏.‏ وقد يستلذه بعقله للمعاني الباطنة كمحبة الصالحين والعلماء وأهل الفضل مطلقاً، وقد يكون لإحسانه إليه ودفعه المضار والمكاره عنه، وهذه المعاني كلها موجودة في النبي صلى الله عليه وسلم لما جمع من جمال الظاهر والباطن، وكمال خلال الجلال وأنواع الفضائل، وإحسانه إلى جميع المسلمين بهدايته إياهم إلى الصراط المستقيم، ودوام النعيم، والإبعاد من الجحيم‏.‏ وقد أشار بعضهم إلى أن هذا متصور في حق الله تعالى، فإن الخبر كله منه سبحانه وتعالى قال مالك وغيره المحبة في الله تعالى من واجبات الإسلام ‏(‏من كان‏)‏ لا بد من تقدير مضاف قبله لأنه إما بدل أو بيان أو خبر مبتدأ محذوف هو هي أو هن أو إحداها أي محبة من كان ‏(‏الله ورسوله‏)‏ برفعهما ‏(‏أحب إليه‏)‏ بالنصب على أنه خبر كان ‏(‏مما سواهما‏)‏ يعم ذوي العقول وغيرهم من المال والجاه وسائر الشهوات ‏(‏وأن يحب المرء‏)‏ أي وثانيتها أن يحب المرء، وفي رواية لمسلم من كان يحب المرء ‏(‏لا يحبه إلا لله‏)‏ استثناء مفرغ أي لا يحبه لغرض وعرض وعوض ولا يشوب محبته حظ دنيوي ولا امر بشر بل محبته تكون خالصة لله تعالى فيكون متصفاً بالحب في الله وداخلا في المتحابين لله‏.‏ والجملة حال من الفاعل أو المفعول أو منهما ‏(‏وأن يكره‏)‏ أي ثالثتها أن يكره ‏(‏أن يعود في الكفر‏)‏ أي يرجع أو يتحول، وقيل أن يصبر بدليل تعديته بفي على حد ‏(‏أو لتعوددن في ملتنا‏)‏ فيشمل من لم يسبقه له كفر أيضاً ولا ينافيه قوله‏:‏ ‏(‏بعد إذ أنقذه منه‏)‏ أي أخلصه ونجاه من الكفر لأن أنقذ بمعنى حفظ بالعصمة ابتداء بأن يولد على الإسلام ويستمر بهذا الوصف على الدوام أو بالإخراج من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان، أو لا يشمله ولكنه مفهوم من طريق المساوة بل الأولى، قاله القاري‏.‏ وقال النووي‏:‏ قوله يعود أو يرجع معناه يصير، وقد جاء العودو الرجوع بمعنى الصيرورة انتهى ‏(‏أن يقذف‏)‏ بصيغة المجهول أي يلقى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏

1635- باب ما جاءَ لاَ يَزْنِي الزّانِي وَهُوَ مُؤْمِن

2693- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنا عُبَيْدَةُ بنُ حُمَيْدٍ، عن الأعْمَشِ عن أَبِي صَالحٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لاَ يَزْنِي الزّانِي حين يزني وَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلاَ يَسْرِقُ السّارِقُ حين يسرق وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَكِنّ التّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن ابنِ عَبّاسٍ وَ عَائِشَةَ وَ عَبْدِ الله بنِ أَبي أَوْفَى‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِنْ هَذا الوَجْهِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِذَا زَنَى العَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الاْيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظّلّةِ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إِلَيْهِ الاْيمَانُ‏"‏‏.‏

رُوِيَ عن أَبِي جَعْفَر مُحمّدِ بنِ عَلِي أَنّهُ قالَ‏:‏ في هَذا خُرُوجٌ عن الإِيمَانِ إِلَى الاْسْلاَمِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قالَ في الزّنَا وَالسّرِقَةِ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً فأقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدّ، فَهُوَ كَفّارَةُ ذَنْبِهِ، وَمَنْ أصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ فَهُوَ إِلَى الله تَعَالَى، إِنْ شَاءَ عذّبَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ‏"‏‏.‏ رَوَى ذَلِكَ عَلِيّ بنُ أَبي طَالِبٍ وَعُبَادَةُ بنُ الصّامِتِ وَخُزَيْمَةُ بنُ ثَابِتٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

2694- حدّثنا أَبُو عُبَيْدَةَ بنُ أَبي السّفَرِ واسمه‏:‏ أَحمَدُ بنُ عَبْدِ الله الْهَمَدَانِيّ الكوفي قال‏:‏ أخبرنا حَجّاجُ بنُ مُحمّدِ عن يُونُسَ بنِ أَبي إِسْحَاقَ، عن أَبي إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيّ عن أَبي جُحَيْفَةَ عن عَلِيّ بنِ أَبي طَالِبٍ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ أَصَابَ أَحَداً فَعُجّلَتْ عُقُوبَتُهُ في الدّنْيَا، فالله أَعْدَلُ مِنْ أَنْ يُثَنّي عَلَى عَبْدِهِ الْعُقُوبَةَ في الاَخِرَةِ، وَمَنْ أَصَابَ حَدّاً فَسَتَرَهُ الله عَلَيْهِ وَعَفَا عَنْهُ، فَالله أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَعُودَ إلى شَيءٍ قَدْ عَفَا عَنْهُ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وهذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ صحيحٌ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ نَعْلَمُ أَحَداً كَفّرَ أَحَداً بِالزّنَا أَو السّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏لا يزني الزاني وهو مؤمن‏)‏ الواو للحال‏.‏ قال النووي‏:‏ هذا الحديث مما اختلف العلماء معناه، فالقول الصحيح الذي قاله المحققون أن معناه لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشي ويراد نفي كماله ومختاره كما يقال‏:‏ لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الاَخرة، وإنما تأولناه على ما ذكرناه الحديث أبي ذر وغيره‏:‏ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق‏.‏ وحديث عبادة بن الصامت الصحيح المشهور أنهم بايعوه صلى الله عليه وسلم على أن لا يسرقوا ولا يزنوا ولا يعصوا إلى آخره، ثم قال لهم صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏فمن وفى منكم فأجره على الله ومن فعل شيئاً من ذلك فعوقب في الدنيا فهو كفارته، ومن فعل ولم يعاقب فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عذبه‏"‏‏.‏ فهذان الحديثان مع نظائرهما في الصحيح مع قول الله عز وجل، ‏{‏إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏}‏، مع إجماع أهل الحق على أن الزاني والسارق والقاتل وغيرهم من أصحاب الكبائر غير الشرك لا يكفرون بذلك بل هم المؤمنون ناقصو الإيمان إن تابوا سقطت عقوبتهم، وإن ماتوا مصرين على الكبائر كانوا في المشيئة، فإن شأن الله تعالى عفا عنهم وأدخلهم الجنة أولا، وإن شاء عذبهم ثم أدخلهم الجنة‏.‏ فكل هذه الدلائل تضطرنا إلى تأويل هذا الحديث وشبهه‏.‏ وتأويل بعض العلماء هذا الحديث على من فعل مستحلا مع علمه بورود الشرع بتحريمه‏.‏ وحكي عن ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ أن معناه ينزع منه نور الإيمان فيه حديث مرفوع‏.‏ وذهب الزهري إلى أن هذا الحديث وما أشبهه يؤمن بها وتمر على ما جاءت ولا يخاض في معناها وأنا لا نعلم معناها، وقال‏:‏ أروها كما أمرها من قبلكم انتهى كلام النووي مختصراً‏.‏

قلت‏:‏ قال البخاري في صحيحه‏:‏ وقال ابن عباس‏:‏ ينزع عنه نور الإيمان في الزنا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وصله أبو بكر بن أبي شيبة في كتاب الإيمان من طريق عثمان بن أبي صفية قال‏:‏ كان ابن عباس يدعو غلمانه غلاماً فيقول ألا أزوجك ما عبد يزني إلا نزع الله منه نور الإيمان‏.‏ وقد روى مرفوعاً أخرجه أبو جعفر الطبري من طريق مجاهد عن ابن عباس، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من نزع الله نور الإيمان من قبله فإن شاء أن يرده رده‏.‏ وله شاهد من حديث أبي هريرة عند أبي داود ‏(‏ولكن التوبة معروضة‏)‏ زاد مسلم في رواية‏:‏ بعده‏.‏ والمعنى لكن التوبة تعرض عليه، فإن تاب تاب الله عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن ابن عباس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى‏)‏ أما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري، وأما حديث عائشة فلينظر من أخرجه، وأما حديث عبد الله بن أبي أوفى فأخرجه ابن أبي شيبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حسن غريب صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا زنى‏)‏ أي أخذ وشرع في الزنا ‏(‏العبد‏)‏ أي المؤمن ‏(‏خرج من الإيمان‏)‏ أي نوره وكماله أو يصير كأنه خرج إذا لا يمنع إيمانه عن ذلك كما لا يمنع من خرج منه الإيمان، أنه من باب التغليظ في الوعيد‏.‏ قال التوربشتي‏:‏ هذا من باب الزجر والتهديد وهو كقول القائل لمن اشتهر بالرجولية والمروءة ثم فعل ما ينافي شيمته عدم عنه الرجولية والمروءة تعبيراً وتنكيراً لينتهي عما صنع، واعتباراً وزجراً للسامعين ولطفاً بهم، وتنبيهاً على أن الزنا من شيم أهل الكفر وأعمالهم، فالجمع بينه وبين الإيمان كالجمع بين المتنافيين‏.‏ وفي قوله صلى الله عليه وسلم فكان فوق رأسه كالظلة وهو أول سحابة تظل‏.‏ إشارة إلى أنه وإن خالف حكم الإيمان فإنه تحت ظله لا يزول عنه حكم الإيمان ولا يرتفع عنه اسمه ‏(‏عاد إليه الإيمان‏)‏ قيل هذا تشبيه المعنى بالمحسوس يجامع بمعنوي وهو الإشراف على الزوال، وفيه إيماه بأن المؤمن في حالة اشتغاله بالمعصية يصير كالفاقد للإيمان، لكن لا يزول حكمه واسمه بل هو بعد في ظل رعايته وكنف بركته، إذا نصب فوقه كالسحابة تظلهه، فإذا فرغ من معصيته عاد الإيمان إليه وحديث أبي هريرة هذا ذكره الترمذي معلقاً ووصله أبو داود في سننه والبيهقي والحاكم وقال صحيح على شرطهما ووافقه الذهبي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وروى عن أبي جعفر محمد بن علي‏)‏ بن الحسين بن علي بن أبي طالب المشهور بالباقر ‏(‏أنه قال في هذا خروج عن الإيمان إلى الاسلام‏)‏ يعني أنه جعل الإيمان أخص من الاسلام فإذا خرج من الإيمان بقي في الإسلام، وهذا يوافق قول الجمهور أن المراد بالإيمان هنا كماله لا أصله قاله الحافظ‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏روى ذلك علي بن أبي طالب وعبادة بن الصامت وخزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ تقدم تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم في باب ما جاء إن الحدود كفارة لأهلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر أحمد بن عبد الله الهمداني‏)‏ اعلم أنه قد وقع في النسخة الأحمدية‏:‏ حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر حدثنا أحمد بن عبد الله الهمداني بزيادة لفظ أخبرنا بين أبي السفر، وأحمد وهذا غلط صريح، والصواب حذف لفظ أخبرنا لأن أحمد بن عبد الله الهمداني هو اسم أبي عبيدة أبي السفر ‏(‏أخبرنا الحجاج بن محمد المصيصي‏)‏ الأعور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أصاب حداً‏)‏ أي ذنباً يوجب الحد فأقيم المسبب مقام السبب ويجوز أن يراد بالحد المحرم من قوله تلك حدود الله فلا تعتدوها، أي تلك محارمه ذكره الطيبي ‏(‏فعجل‏)‏ بصيغة المجهول أي فقدم ‏(‏أن يثنى‏)‏ بتشديد النون أي يكرر ‏(‏فستره الله عليه‏)‏ قال الترمذي في باب إن الحدود كفارة لأهلها‏.‏ قال الشافعي‏:‏ وأحب لمن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه‏.‏ وكذلك روي عن أبي بكر وعمر أنهما أمرا أن يستر على نفسه انتهى‏.‏

قلت‏:‏ روى محمد في الموطإ عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أسلم أتى أبا بكر فقال‏:‏ إن الاَخر قد زنى، قال له أبو بكر‏:‏ هل ذكرت هذا لأحد غيري‏؟‏ قال لا‏.‏ قال أبو بكر‏:‏ تب إلى الله عز وجل واستتر بستر الله‏:‏ فإن الله يقبل التوبة عن عباده‏.‏ قال سعيد‏:‏ فلم تقر به نفسه حتى أتى عمر بن الخطاب فقال له كما قال لأبي بكر، فقال له كما قال أبو بكر الخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه ابن ماجة والحاكم‏.‏ وقال المناوي إسناده جيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهذا قول أهل العلم لا نعلم أحداً كفر بالزنا والسرقة وشرب الخمر‏)‏ قال الحافظ في الفتح بعد نقل كلام الترمذي هذا يعني ممن يعتد بخلافه انتهى‏.‏

1636- باب ما جَاءَ في أَن ‏"‏المسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمِونَ مِن لِسَاِنِهِ وَيَدِهِ‏"‏

2695- حَدّثنا قُتَيْبَةُ، حدثنَا الّليْثُ عن ابنِ عَجْلاَنَ عن القَعْقَاعِ بن حكيم عن أَبي صَالحٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمنهُ النّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَيُرْوَى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَنّهُ سُئِلَ أَيّ المُسْلِمينَ أَفْضَلُ‏؟‏ قالَ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ‏"‏ وفي البابِ عن جابرٍ وأَبي موسى وعبدِ الله بنِ عمرو‏.‏

2696- حدّثنا بِذَلِكَ إِبْرَاهِمُ بنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيّ، حدثنَا أَبُو أُسَامَةَ، عن بُرَيْدِ بنِ عَبْدِالله بنِ أَبي بُرْدَةَ، عن جَدّهِ أَبِي بُرْدَةَ عن أَبي مُوسَى الأشْعَرِيّ، أَنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ‏:‏ أَيّ المُسْلِمِينَ أَفْضَلُ‏؟‏ قالَ‏:‏ ‏"‏مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صَحِيحٌ غريبٌ حسنٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏المسلم من سلم المسلمون إلخ‏)‏ تقدم شرح هذا في أواخر أبواب صفة القيامة ‏(‏والمؤمن‏)‏ أي الكامل ‏(‏من أمنه الناس‏)‏ كعلمه أي ائتمنه يعني جعلوه أميناً وصاروا منه على أمن ‏(‏على دمائهم وأموالهم‏)‏ لكمال أمانته وديانته وعدم خيانته‏.‏ وحاصل الفقرتين إنما هو التنبيه على تصحيح اشتقاق الاسمين، فمن زعم أنه متصف به ينبغي أن يطالب نفسه بما هو مشتق منه، فإن لم يوجد فيه فهو كمن زعم أنه كريم ولا كرم له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح غريب من حديث أبي موسى الأشعري‏)‏ حديث أبي موسى هذا قد تقدم بسنده ومتنه في أواخر أبواب صفة القيامة، وتقدم شرحه هناك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن جابر وأبي موسى وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث جابر وهو ابن عبد الله فأخرجه مسلم، وأما حديث أبي موسى فأخرجه الترمذي في هذا الباب، فالظاهر أنه أشار إلى حديث آخر في هذا، وأن حديث عبد الله بن عمر فأخرجه البخاري بلفظ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه‏.‏ وأخرجه مسلم بلفظ‏:‏ إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي المسلمين خير‏؟‏ قال من سلم المسلون من لسانه ويده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه النسائي‏.‏

1637- باب ما جَاءَ أَنّ الإِسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيبا

2697- حَدّثنا أَبُو كُرَيْبٍ، أخبرنا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ عن الأعْمَشِ عن أَبِي إِسْحَاقَ عن أَبِي الأَحْوَصِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الاْسْلاَمَ بَدَأَ غَرِيباً وَسَيَعُودُ غَرِيباً كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى للْغُرَبَاءِ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن سَعْدٍ وابنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غَريبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ مَسْعُودٍ‏.‏ إِنّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَفْصِ بنِ غِيَاثٍ عن الأَعْمَشِ‏.‏ وَأَبُو الأحْوَصِ اسمُهُ عَوْفُ بنُ مَالِكِ بنِ نَضْلةَ الْجُشَمِيّ، تَفَرّدَ بِهِ حَفْصٌ‏.‏

2698- حدّثنا عَبْدُ الله بنُ عَبْدِ الرحْمَنِ، أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حدثني كَثِيرُ بنُ عَبْدِ الله عن عَمْرِو بنِ عَوْفِ بنِ زَيْدِ بنِ مِلْحَةَ عن أَبِيِه عن جَدّهِ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏إِنّ الدّينَ ليَأْرِزُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيّةُ إِلَى جُحْرِهَا، وَلَيَعْقِلَنّ الدّينُ من الحِجَازِ مِعْقَلَ الأَرْوِيَةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ‏.‏ إِنّ الدّينَ بَدَأَ غَرِيباً وَيَرْجِعُ غَرِيباً فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَتِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏إن الاسلام بدأ غربياً‏)‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ بدأ بالهمزة من الابتداء‏.‏ قال القاضي عياض في قوله غريباً‏:‏ روى ابن أبي أويس عن مالك رحمه الله تعالى أن معناه في المدينة وأن الإسلام بدأ بها غريباً وسيعود إليها‏:‏ قال القاضي‏:‏ وظاهر الحديث العموم وأن الاسلام بدأ في آحاد من الناس وقلة ثم انتشر فظهر ثم سيلحقه النقص والاختلال حتى لا يبقى إلا في آحاده وقلة أيضاً كما بدأ ‏(‏فطوبى‏)‏ قال النووي‏:‏ طوبي فعلى من الطيب قاله الفراء وقال إنما جاءت الواو لضمه الطاء وأما معنى طوبى فاختلف المفسرون في معنى قوله تعالى ‏(‏طوبي لهم‏)‏ فروى عن ابن عباس رضي الله عنه أن معناه فرح وقة عين‏.‏ وقال عكرمة‏:‏ نعم ما لهم- وقال الضحاك‏:‏ غبطة لهم‏.‏ وقال قتادة‏:‏ حسنى لهم‏.‏ وقال إبراهيم خير لهم وكرامة‏.‏ وقال ابن عجلان‏:‏ دوام الخير، وقيل الجنة، وقيل شجرة في الجنة‏.‏ وكل هذه الأقوال محتملة في الحديث انتهى‏.‏ كلام النووي ‏(‏للغرباء‏)‏ أي المسلمين الذين في أوله وآخره لصبرهم على الأذى، وقيل المراد بالغرباء المهاجرون الذين هجروا إلى الله‏.‏ قال القاري‏:‏ والأظهر أنهم هم الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعده من سنته، كما ورد مفسراً في حديث عمرو بن عوف يعني حديثه الاَتي في هذا الباب‏.‏ وقد صنف الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي في شرح هذا الحديث رسالة سماها كشف الكربة في وصف حال أهل الغربة، وقد طبعت بمصر وشاعت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد وابن عمر وجابر وأنس وعبد الله بن عمرو‏)‏ أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه أحمد، وأما حديث ابن عمر فأخرجه مسلم، وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني، وأما حديث أنس فأخرجه ابن ماجة وأما حديث عبد الله بن عمرو فلينظر من أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث ابن مسعود‏)‏ وأخرجه ابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأبو الأحوص اسمه عوف بن مالك بن نضله الجشمي‏)‏ بضم الجيم وفتح المعجمة الكوفي مشهور بكنيته ثقة من الثالثة قتل في ولاية الحجاج على العراق‏.‏

- ‏(‏حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن‏)‏ هو الدارمي ‏(‏أخبرنا إسماعيل بن أبي أويس‏)‏ هو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله بن أبي أويس المدني، صدوق، أخطأ في أحاديث من حفظه من العاشرة ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو عبد الله ‏(‏عن جده‏)‏ هو عمرو بن عوف، وقد تقدم تراجم هؤلاء الثلاثة في باب التكبير في العيدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الدين ليأرز‏)‏ بفتح أوله وسكون الهمزة وكسر الراء وقد تضم بعدها زاي‏.‏ وحكى ابن التين عن بعضهم فتح الراء، وقال إن الكسر هو الصواب‏.‏ وحكى أبو الحسن بن سراج ضم الراء ومعناه ينضم ويجتمع ‏(‏إلى الحجاز‏)‏ وهو اسم مكة والمدينة وحواليهما في البلاد وسميت حجازا لأنها حجزت أي منعت وفصلت بين بلاد نجد والغور‏.‏ وفي حديث ابن عمر عند مسلم‏:‏ إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ هو يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها‏.‏ قال القاري‏:‏ والمراد أن أهل الإيمان يفرون بإيمانهم إلى المدينة وقاية بها عليه أو لأنها وطنه الذي ظهر وقوي بها، وهذا إخبار عن آخر الزمان حين يقل الإسلام انتهى ‏(‏كما تأرز الحية إلى جحرها‏)‏ بضم الجيم وسكون الحاء المهملة أي ثقبها ‏(‏وليعقلن‏)‏ جواب قسم محذوف أي والله ليعتصمن عطف على ليأرز، أو على إن ومعمولها أي ليتحصن وينضم ويلتجي ‏(‏الدين‏)‏ أبرزه وحقه الإضمار إعلاماً بعظيم شرفه ومزيد فخامته ومن ثم ضوعفت أدوات التأكيد وأتى بالقسم المقدر، يقال عقل الوعل أي امتنع بالجبال العوالي يعقل عقولا أي ليمتنعن بالحجاز ويتخذن منه حصناً وملجاً ‏(‏معقل الأروية من رأس الجبل‏)‏ الأروية بضم الهمزة وتكسر وتشد الياء الأنثى من المعز الجبلي والمعقل‏:‏ مصدر بمعنى العقل ويجوز أن يكون اسم مكان أس كاتخاذ الأروية من رأس الجبال حصناً دون واعل لأنها أقدر من الذكر على التمكن من الجلبل الوعرة‏.‏ والمعنى أن الدين في آخر الزمان عند ظهور الفتن واستيلاء الكفرة والظلمة على بلاد أهل الإسلام يعود إلى الحجاز كما بدأ منه ‏(‏إن الدين بدأ‏)‏ بالهمز هو الصحيح ‏(‏غريباً‏)‏ أي كالغريب أو حال ‏(‏ويرجع غريباً‏)‏ أي كما بدأ يعني أهل الدين في الأول كانوا غرباء ينكرهم الناس ولا يخالطونهم، هكذا في الاَخر ‏(‏فطوبى للغرباء‏)‏ أي أولا وآخراً ‏(‏الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي‏)‏ أي يعملون بها ويظهرونها بقدر طاقتهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ اعلم أن الترمذي قد يحسن حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جه وقد يصححه، وكثير هذا ضعيف عند كثير من المحدثين بل عند الأكثر بل قال ابن عبد البر إنه مجمع على ضعفه‏.‏ وقال الحافظ الذهبي في الميزان بعد ذكر كلام المحدثين فيه ما لفظه‏:‏ وأما الترمذي فروى من حديثه‏:‏ الصلح جائز بين المسلمين وصححه‏.‏ فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي، انتهى‏.‏

1638- باب ما جاءَ في عَلاَمَةِ المُنَافِق

2699- حَدّثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍ، أخبرنا يَحْيَى بنُ مُحَمدِ بنِ قَيْسٍ، عن العَلاءِ بنِ عَبْدِ الرّحمَنِ عن أَبِيهِ عن أَبي هُرَيْرَةَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ‏:‏ إِذَا حَدّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا أُؤْتمِنَ خَانَ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ من حَدِيثِ العَلاَءِ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم‏.‏ وفي البابِ عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ‏.‏

2700- حدّثنا عَلِيّ بنُ حُجْرٍ، أَخْبَرنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عن أَبِي سُهَيْلٍ بنِ مَالِكٍ عن أَبِيِه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَه بِمعناه‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَبُو سُهَيْلٍ هُوَ عَمّ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ وَاسْمُهُ نَافِعُ بنُ مَالِكِ بنُ أَبي عَامِرٍ الأَصْبَحِيّ الْخَوْلاَنِيّ‏.‏

2701- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنَا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عن سُفْيَانَ عن الأعْمَشِ، عن عَبْدِ الله بنِ مُرّةَ، عن مَسْرُوقٍ عن عَبْدِ الله بَنِ عَمْرٍو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أَرْبَعٌ مَنْ كُنّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً وَإِنّ كَانَتْ فِيِه خِصْلَةٌ مِنْهُنّ كَانَتْ فِيِه خَصْلَةٌ مِنَ النّفَاقِ حَتّى يَدَعَهَا‏:‏ مَنْ إِذَا حَدّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ‏"‏‏.‏

قالَ‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

- حدّثنا الحسنُ بنُ عَلِيّ الْخَلاّلُ، حدثنَا عَبْدُ الله بنُ نُمَيْرٍ عن الأعْمَشِ عن عَبْدِ الله بنِ مُرّةَ بهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَأَنْمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ نِفَاقُ العَمَل، وَأَنَمَا كَانَ نِفَاقُ التكذِيبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ هَكَذَا رُوِيَ عن الحَسَنِ البَصْرِي شَيْئاً مِنْ هَذَا انه قالَ‏:‏ النفاق نفاقان نفاقُ العمل ونفاق التكذيب‏.‏

2702- حدّثنا مُحمّدُ بنُ بَشارٍ، أَخْبَرنَا أَبُو عَامِرٍ، أَخْبَرنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ، عن عَلِيّ بنِ عَبْدِ الأعْلَى، عن أَبي النّعْمَانِ، عن أَبي وَقّاصٍ، عن زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِذَا وَعَدَ الرّجُلُ وَيَنْوِي أَنْ يَفِيَ بِهِ فَلَمْ يَفِ بِهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ غريبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بالقَويّ‏.‏ عَلِيّ بنُ عَبْدِ الأَعْلَى ثِقَةٌ وأَبُو النّعْمَانِ مَجْهُولٌ وَأَبُو وَقّاصِ مَجْهُولْ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا يحيى بن محمد بن قيس‏)‏ المحاربي الضرير أبو محمد المدني، نزيل البصرة لقبه أبو زكير بالتصغير وصدوق يخطئ كثيراً من الثامنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آية المنافق ثلاث‏)‏ الاَية العلامة وإفراد الاَية إما على إرادة الجنس أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث والأول هو الظاهر، وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ‏:‏ علامات المنافق‏.‏ فإن قيل‏:‏ ظاهره الحصر في الثلاث فكيف الجمع بين هذا الحديث عبد الله بن عمرو الاَتي بلفظ‏:‏ أربع من كن فيه الخ‏.‏

يقال‏:‏ قد أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده‏.‏ قال الحافظ في الفتح‏:‏ ليس بين الحديثين تعارض لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق، كونها علامة على لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق، على أن في رواية مسلم من طريق علاء ابن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عدم الحصر فإن لفظه‏:‏ من علامة المنافق ثلاث‏.‏ وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري، وإذا أحمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت، وببعضها في وقت آخر انتهى ‏(‏وإذا وعد‏)‏ أي أخبر بخير في المستقبل وإذ وعد يغلب في الخير وأوعد في الشر، وأيضاف الخلف في الوعيد من مكارم الأخلاق ‏(‏أخلف‏)‏ أي جعل الوعد خلافاً بأن لم يف بوعده‏.‏ ووجه المغايرة بين هذه وما قبلها أن الإخلاف قد يكون بالفعل وهو غير الكذب الذي هو لازم التحديث، وليس فيه ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد، لأن ذم الإخلاف إنما هو من حيث تضمينه الكذب المذموم إن عزم على الإخلاف حال الوعد لا إن طرأ له كما هو واضح على أن علامة النفاق لا يلزم تحريمها إذ المكروه لكونه يجر إلى الحرام يصح أن يكون علامة على المحرم، ونظائره علامات الساعة فإن منها ما ليس بمحرم ‏(‏وإذا ائتمن‏)‏ باللبناء للمجهول أي جعل أميناً ‏(‏خان‏)‏ أي في ما ائتمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ وأخرجه الشيخان وابن ماجة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن عبد الله بن مسعود وأنس وجابر‏)‏ أما حديث عبد الله بن مسعود وحديث جابر فلينظر من أخرجهما‏.‏ وأما حديث أنس فأخرجه أبو يعلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبيه‏)‏ هو مالك بن أبي عامر الأصبحي، سمع من عمر، ثقة من الثانية ‏(‏واسمه نافع بن مالك بن أبي عامر الخولاني الأصبحي‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الصاد المهملة وفتح الموحدة وبالحاء المهملة التيمي المدني ثقة من الرابعة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن عبد الله بن مرة‏)‏ الهمداني الخارفي بمعجمة وراء وفاء الكوفي ثقة من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أربع‏)‏ أي خصال أربع ‏(‏كان منافقاً‏)‏ زاد البخاري خالصاً ‏(‏حتى يدعها‏)‏ أي يتركها ‏(‏وإذا خاصم فجر‏)‏ أي مال عن الحق وقال الباطل والكذب قال أهل اللغة‏:‏ أصل الفجور الميل عن القصد قاله النووي‏.‏ وقال القاري‏:‏ أي شتم ورمى بالأشياء القبيحة ‏(‏وإذا عاهد غدر‏)‏ أي نقض العهد ابتداء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنما معنى هذا عند أهل العمل نفاق العمل وإنما كان نفاق التكذيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ قال الحافظ في الفتح النفاق لغة مخالفة الباطن للظاهر، فإن كان في اعتقاد الإيمان فهو نفاق الكفر وإلا فهو نفاق العمل، ويدخل فيه الفعل والترك وتتفاوت مراتبه‏.‏ قال وقال النووي‏:‏ هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث أن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره، قال‏:‏ وليس فيه إشكال بل معناه صحيح، والذي قاله المحققون أن معناه أن هذه خصال نفاق وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلف بأخلاقهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز أي صاحب هذه الخصال كالمنافق وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر، وقد قيل في الجواب عنه‏:‏ إن المراد بالنفاق العمل وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له نقول عمر لحذيفة‏:‏ هل تعلم في شيئاً من النفاق، فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر‏.‏ وإنما أراد نفاق العمل، ويؤيد وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله‏:‏ كان منافقاً خالصاً وقيل المراد باطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال وأن الظاهر غير مراد، وهذا ارتضاء الخطابي وذكر أيضاً أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا‏.‏ قال ويدل عليه التعبير بإذا بإنها تدل على تكرر الفعل كذا قال‏.‏ والأولى ما قال الكرماني إن حذف المفعول من حديث يدل على العموم أي إذا حدث في كل شيء كذب فيه أو يصير قاصراً، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب، وقيل هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال وتهاون بها واستخف بأمرها، فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالباً‏.‏ وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس، ومنهم من ادعى أنها للعهد، فقال إنه ورد في حق شخص معين، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي‏.‏

قلت‏:‏ الأمر كما قال الحافظ من أن أحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي‏.‏ وقد نقل الترمذي هذا القول عن أهل العلم مطلقاً‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو عامر‏)‏ هو العقدي اسمه عبد الملك بن عمرو ‏(‏أن يفي به‏)‏ بفتح فكسر وأصله أن يوفي من الوفاء ‏(‏فلم يف به‏)‏ أي بغدر ‏(‏فلا جناح عليه‏)‏ أي فلا إثم عليه‏.‏ هذا دليل على أن النية الصالحة يثاب الرجل عليها وإن لم يقترن معها المنوي ويختلف عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث غريب‏)‏ وأخرجه أبو داود ‏(‏وأبو النعمان مجهول وأبو وقاص مجهول‏)‏ أما أبو النعمان فوثقه ابن حبان وأما أبو وقاص فهو مجهول بالاتفاق ولم أر من وثقه فالحديث ضعيف‏.‏

1639- باب ما جَاءَ سِبَابُ المؤمِنِ فُسُوق

2703- حَدّثنا مُحمّدُ بنُ عَبْدِ الله بنِ بَزِيغٍ، أَخْبَرنَا عَبْدُ الحَكِيمِ بنُ مَنْصُورٍ الْوَاسِطِيّ عن عَبْدِ المَلِكِ بنِ عُمَيْرٍ عن عَبْدِ الرَحْمَنِ بنِ عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودِ عن أَبِيِه قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏قِتَالُ المُسْلِمِ أَخَاهُ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن سَعْدٍ وَعَبْدِ الله بنِ مُغَفّلٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ ابنِ مَسْعُودٍ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عن عَبْدِ الله ابنِ مَسْعُودٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ‏.‏

2704- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا وَكِيعٌ، عن سُفْيَانَ، عن زُبَيْدٍ، عن أَبِي وَائِلٍ، عن عَبْدِ الله بنِ مَسْعُودٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏ ومعنى هذا الحديث قتاله كفر ليس به كفراً مثل الارتداد عن الاسلام والحجة في ذلك ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏ من قُتِلَ متعمداً فأَولياءُ المقتول بالخِيارِ إن شاؤا قتلوا وإِنْ شاؤوا عفوا ولو كان القتل كفراً لوجب وقد روُي عن ابن عباس وطاووس وعطاءٍ، وغير واحدٍ من أَهلِ العلم قالوا‏:‏ كُفْرٌ دُون كُفرٍ وفسوقُ دون فسوقٍ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الحكيم بن منصور الواسطي‏)‏ الخزاعي أبو سهل وأبو سفيان متروك كذبه ابن معين من السابعة ‏(‏عن عبد الرحمن بن عبد الله ابن مسعود‏)‏ الهدلي الكوفي ثقة من صغار الثانية، وقد سمع عن أبيه لكن شيئاً يسيراً كذا في التقريب‏.‏ وذكر في تهذيب التهذيب اختلاف أئمة الحديث في سماعة من أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قتال المسلم أخاه كفر‏)‏ قال النووي‏:‏ أما قتاله بغير حق فلا يكفر به عند أكهل الحق كفراً يخرج عن الملة إلا إذا استحله، فإذا تقرر هذا فقيل في تأويل الحديث أقوال أحدها أنه في المستحل، والثاني أن المراد كفر الإحسان والنعمة وأخوة الإسلام لا كفر الجحود، والثالث أنه يؤول إلى الكفر بشؤمه، والرابع أنه كفعل الكفار، وقال ثم إن الظاهر من قتاله المقاتلة المعروفة ‏(‏وسبابه فسوق‏)‏ السب في اللغة‏:‏ الشتم والتكلم في عرض الإنسان بما يعيبه، والفسق في اللغة الخروج، والمراد به في الشرع الخروج عن الطاعة، وأما معنى الحديث فسب المسلم بغير حق حرام بإجماع الأمة وفاعله فاسق كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قاله النووي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد وعبد الله بن مغفل‏)‏ أما حديث سعد وهو ابن أبي وقاص فأخرجه ابن ماجة، وأما حديث عبد الله بن مغفل فأخرجه الطبراني في الكبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح‏)‏ في سند حديث ابن مسعود هذا عبد الحكيم بن منصور الواسطي وهو متروك، وكذبه ابن معين فتصحيحه له لمجيئه من طرق أخرى صحيحة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن زبيد‏)‏ بضم الزاي وفتح الموحدة مصغراً هو ابن الحارث بن عبد الكريم بن عمرو بن كعب اليامي، ويقال الأيامي أبو عبد الرحمن، ويقال أبو عبد الله الكوفي، ثقة ثبت عابد من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وابن ماجة‏.‏

1640- باب ما جاءَ فيمَنْ رَمَى أَخَاهُ بِكُفْر

يقال رماه بكذا عابه واتهمه به

2705- حَدّثنا أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ، حدثنَا إِسْحَاقُ بنُ يُوسُفَ الأزْرَقُ عن هِشَامٍ الدّسْتَوَائِيّ عن يَحْيَى بنِ أَبي كَثِيرٍ عن أَبي قِلاَبَةَ عن ثَابِتِ بنِ الضّحّاكِ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏لَيْسَ عَلَى العَبْدِ نَذْرٌ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَعِنُ المُؤْمِنِ كَقَاتِلِهِ، وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنَاً بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَاتِلِهِ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيءٍ عَذّبَهُ الله بِمَا قَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ‏"‏‏.‏ وفي البابِ عن أَبِي ذَرٍ وَابنِ عُمَرَ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2706- حدّثنا قُتَيْبَةُ، عن مَالِكِ بنِ أَنَسٍ عن عَبْدِ الله بنِ دِينَارٍ، عن ابنِ عُمَرَ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أَيّمَا رَجُلٍ قالَ لأَخِيهِ كَافِرٌ فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ ومعنى قوله باء‏:‏ يعني أَقّر‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن منيع‏)‏ بن عبد الرحمن أبو جعفر البغوي نزيل بغداد الأصم، ثقة حافظ من العاشرة ‏(‏عن ثابت بن الضحاك‏)‏ بن خليفة الأشهلي صحابي مشهور، روى عنه أبو قلابة‏.‏ مات سنة خمس وأربعين قاله الفلاس، والصواب سنة أربع وستين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس على العبد نذر فيما لا يملك‏)‏ قال ابن الملك رحمه الله‏:‏ كأن يقول إن شفي الله مريضي ففلان حر وهو ليس في ملكه‏.‏ وقال الطيبي رحمه الله‏:‏ معناه أنه لو نذر عتق عبد لا يملكه أو التضحي بشاة غيره أو نحو ذلك لم يلزمه الوفاء به وإن دخل ذلك في ملكه وفي رواية‏:‏ ولا نذر فيما لا يملك أي لا صحة له ولا عبرة به‏.‏

قلت‏:‏ أشار الطيبي إلى ما روى أبو داود والترمذي في الطلاق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده‏.‏ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا طلاق فيما لا يملك‏.‏ قال الترمذي‏:‏ حسن صحيح وهو أحسن شيء روى في هذا الباب ‏(‏لاعن المؤمن كقاتله‏)‏ أي لعن المؤمن كقتله في أصل الإثم فلاعنه كقاتله‏.‏ قال الطيبي رحمه الله‏:‏ أي في التحريم أو في العقاب ‏(‏ومن قذف مؤمناً بكفر فهو كقاتله‏)‏ قال الطيبي‏:‏ وجه التشبيه هنا أظهر لأن النسبة إلى الكفر الموجب للقتل فالقذف بالكفر تسبب إليه والمتسب إلى الشيء كفاعله، والقذف في الأصل الرمي ثم شاع عرفاً في الرمي بالزنا، ثم استعير لكل ما يعاب به الإنسان ويحيق به ضرره ‏(‏ومن قتل نفسه بشيء‏)‏ أي من آلات القتل أو بأكل السم أو غير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي ذر وابن عمر‏)‏ أما حديث أبي ذر فأخرجه البخاري عنه مرفوعاً‏:‏ لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك‏.‏ وأخرجه البخاري ومسلم عنه مرفوعاً‏:‏ من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه‏.‏ وأما حديث ابن عمر فأخرجه الترمذين في هذا الباب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن ماجة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أيما رجل قال لأخيه كافر‏)‏ بضم الراء على البناء فإنه منادي حذف حرف ندائه كما ذكره ميرك ويؤيده ما جاء في رواية‏:‏ بالنداء، ويجوز تنوينه على أنه خبر محذوف تقديره أنت أو هو ‏(‏فقد باء به‏)‏ أي رجع بتلك المقالة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ لأنه إذا قال القائل لصاحبه يا كافر مثلا فإن صدق رجع إليه كلمة الكفر الصادر منه مقتضاها، وإن كذب واعتقد بطلان دين الإسلام رجعت إليه هذه الكلمة‏.‏ قال النووي‏:‏ اختلف في تأويل هذا الرجوع، فقيل رجع عليه الكفر إن كان مستحلا وهذا يعيد من سياق الخبر، وقيل محمول على الخوارج لأنهم يكفرون المؤمنين، هكذا نقله عياض عن مالك وهو ضعيف، لأن الصحيح عند الأكثرين أن الخوارج لا يكفرون ببدعتهم‏.‏

قال الحافظ‏:‏ ولما قاله مالك وجه وهو أن منهم من يكفر كثيراً من الصحابة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وبالإيمان فيكون تكفيرهم من حيث تكذيبهم للشهادة المذكورة لا من مجرد صدور التكفير منهم بتأويل‏.‏ والتحقيق أن الحديث سبق لزجر المسلم عن أن يقول ذلك لأخيه المسلم وذلك قبل وجود فرقة الخوارج وغيرهم‏.‏ وقيل معناه رجعت عليه نقيصته لأخيه ومعصية تكفيره، وهذا لا بأس به‏.‏ وقيل يخشى عليه أن يؤول به ذلك إلى الكفر كما قيل المعاصي يريد الكفر فيخاف على من أدامها وأصر عليها سوء الخاتمة وأرجح من الجميع أن من قال ذلك لمن يعرف منه الإسلام ولم يقم له شبهة في زعمه أنه كافر فإنه يكفر بذلك، فمعنى الحديث‏:‏ فقد رجع عليه تكفيره فالراجع التكفير لا الكفر فكأنه كفر نفسه لكونه كفر من هو مثله‏.‏ ومن لا يكفره إلا كافر يعتقد بطلان دين الإسلام، ويؤيده أن في بعض طرقه وجب الكفر على أحدهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح‏)‏ وأخرجه أحمد والشيخان‏.‏

1641- باب ما جاءَ فيمَنْ يَمُوتُ وهُوَ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إِلا الله

2707- حَدّثنا قُتَيْبَةُ حدثنَا الّليْثُ عن ابنِ عَجْلاَنَ، عن مُحمّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَبّانَ عن ابنِ مُحَيْرِيزِ عن الصّنَابِحِيّ عن عُبَادَةَ بنِ الصّامِتِ أَنّهُ قالَ‏:‏ ‏"‏دَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ في المَوْتِ فَبَكَيْتُ فَقَالَ مَهْلاً لِمَ تَبْكِي، فَوالله لَئِنْ اسْتُشْهِدْتُ لأَشْهَدَنّ لَكَ، وَلَئِنْ شُفّعْتُ لاْشْفَعَنّ لَكَ، وَلَئِنْ اسْتَطَعْتُ لأَنَفَعَنّكَ، ثمّ قالَ‏:‏ وَالله مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم لَكُمْ فِيِه خَيْرٌ إِلاّ حَدّثْتُكُمُوهُ إِلاّ حَدِيثاً وَاحِداً وَسَوف أحدثُكُمُوهُ اليَوْمَ، وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحمّداً رَسولُ الله حَرّمَ الله عَلَيْهِ النّارَ‏"‏‏.‏

وفي البابِ عَن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَليّ وَطَلْحَةَ وَجَابِرٍ وَابنِ عُمَرَ وَزَيْد بنِ خَالِدٍ‏.‏ قال‏:‏ سمعت ابن ابي عمر يقول‏:‏ سمعت ابن عيينة يقول‏:‏ محمد بن عجلان كان ثقة مأموناً في الحديثِ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ‏.‏ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالصّنَابِحِيّ هُوَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بنُ عُسَيْلَةَ أَبُو عَبْدِ الله‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عن الزّهْرِيّ أَنّهُ سُئِلَ عن قَوْلِ النبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏مَنْ قالَ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله دَخَلَ الْجَنّةَ، فَقَالَ‏:‏ إِنّمَا كَانَ هَذَا في أَوّلِ الاْسْلاَمِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالأَمْرِ وَالنَهْي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ وَوَجْهُ هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنّ أَهْلَ التّوْحِيدِ سَيَدْخُلُونَ الْجَنّةَ، وَإِنْ عُذّبُوا بالنار بِذُنُوبِهِمْ فَإِنّهُمْ لاَ يُخَلّدُونَ في النّارِ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عن عبد الله بنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي ذَرٍ وَعِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بنِ عَبْدِ الله وَابنِ عَبّاسٍ وَأَبي سعيد الْخُدْرِيّ وَأَنَسٍ بن مالك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أَنه قالَ‏:‏ ‏"‏سَيَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النّارِ مِنْ أَهْلِ التّوْحِيدِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنّةَ‏"‏‏.‏

هَكَذَا رُوِيَ عن سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النّخَعِيّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التّابِعِينَ وَقَد رُوِيَ من غير وجه عن أَبي هُرَيْرَةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم في تَفْسِيرِ هَذِهِ الاَيَةِ‏:‏ ‏{‏رُبَمَا يَوَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مِسْلِمِن‏}‏ قالُوا‏:‏ إِذا أُخْرِجَ أَهْلُ التّوْحِيدِ مِنَ النّارِ وَأَدْخِلُوا الْجَنّةَ وَدّ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ‏.‏

2708- حدّثنا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، أخبرنا عبد الله بنُ المُبَارَكِ، عن لَيْثِ بنِ سَعْدٍ، حدثني عَامِرُ بنُ يَحْيَى، عن أَبي عَبْدِ الرحمنِ المَعَافِرِيّ ثمّ الْحُبُلِيّ قالَ‏:‏ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرِو بنِ العَاص يَقُولُ قال رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏إِنّ الله سَيُخَلّصُ رَجُلاً مِنْ أُمَتِي عَلَى رُؤُوسِ الْخَلاَئِقِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيَنْشُرُ عَلَيْهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلاّ، كُلّ سِجِلٍ مِثْلُ مَدّ البَصَرِ ثُمّ يَقُولُ‏:‏ أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئَاً‏؟‏ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحافِظُونَ‏؟‏ فيَقُولُ لاَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ‏:‏ أَفَلَكَ عُذْرٌ‏؟‏ فَيَقُولُ لاَ يَا رَبّ، فَيَقُولُ‏:‏ بَلَى إِنّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً فَإِنّهُ لاَ ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ‏:‏ احْضُرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ يَا ربّ مَا هَذِهِ البِطَاقَةُ مَع هَذِهِ السّجِلاّتُ‏؟‏ فَقَالَ فَإِنّكَ لاَ تُظْلَمُ‏.‏ قالَ‏:‏ فَتُوْضَعُ السّجِلاّتُ فِي كِفّةٍ وَالِبطَاقَةُ في كِفّةٍ فَطَاشَتْ السّجِلاّتُ وَثَقُلَت البِطَاقَةُ، ولا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ الله شَيْءٌ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ‏.‏

2709- حدّثنا قُتَيْبَةُ، أَخْبَرنَا ابنُ لَهِيْعَةَ عن عَامِرِ بنِ يَحْيَى بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ‏.‏ وَالبِطَاقَةُ‏:‏ القِطْعَةُ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن محيريز‏)‏ اسمه عبد الله بن محيريز بضم ميم وفتح مهملة وسكون ياءين بينهما راء مكسورة وبزاي ابن جنادة بن وهب الجمحي المكي كان يتيماً في حجر أبي محذورة بمكة ثم نزل بيت المقدس ثقة عابد من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت أنه قال دخلت عليه‏)‏ قال النووي‏:‏ هذا كثير يقع مثله وفيه صنعة حسنة وتقديره عن الصنابحي أنه حدث عن عبادة بحديث قاله في دخلت عليه ‏(‏فقال مهلا‏)‏ بفتح الميم وسكون الهاء معناه انظرني‏.‏ قال الجوهري‏:‏ يقال مهلا يا رجل بالسكون، وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل ‏(‏والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خير إلا حدثتكموه الخ‏)‏ قال القاضي عياض فيه دليل على أنه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل أحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه حد من حدود الشريعة‏.‏ قال ومثل هذا عن الصحابة كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعو إليه ضرورة أو لا يحتمله عقول العامة أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه، لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والإمارة، وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة، وذم آخرين ولعنهم، انتهى ‏(‏وقد أحيط بنفسي‏)‏ معناه قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة‏.‏ قال صاحب التحرير‏:‏ أصل الكلمة في الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه ويأخذون عليه جميع الجوانب بحيث لا يبقى له في الخلاص مطمع، فيقال أحاطوا به أي أطافوا به من جوانبه ومقصود قرب موتي ‏(‏حرم‏)‏ عليه النار أي الخلود فيها كالكفار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان الخ‏)‏ أما حديث عمر وحديث طلحة فأخرجهما أبو نعيم في الحلبة، وأما حديث عثمان فأخرجه مسلم، وأما حديث جابر وحديث ابن عمر فأخرجهما الدارقطني في العلل، وأما أحاديث أبي بكر وعلي وزيد بن خالد فلينظر من أخرجها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح غريب‏)‏ وأخرجه مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي‏)‏ قال القاضي عياض‏:‏ حكى عن جماعة من السلف منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ هي مجملة يحتاج إلى شرح ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها، وهذا قول الحسن البصري‏.‏ وقيل إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة‏.‏ ومات على ذلك، وهذا قول البخاري‏.‏ ذكر النووي كلام القاضي هذا في شرح مسلم ثم قال، وما حكاه عن ابن المسيب وغيره ضعيف بل باطل وذلك لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة وهو متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق وكانت أحكام الشريعة مستقرة، وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة وكانت الصلاة والزكاة والصيام وغيرها من الأحكام قد تقرر فرضها وكذا الحج على قول من قال فرض سنة خمس أوست وهما أرجح من قول من قال سنة تسع ‏(‏ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا في النار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار‏)‏ قال النووي‏:‏ اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحداً دخل الجنة قطعاً على كل حال، فإن كان سالماً من المعاصي كالصغير والمجنون الذي أتصل جنونه بالبلوغ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلا فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا، لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود‏.‏ والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم عافانا الله منها ومن سائر المكروه، وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا وجعله كالقسم الأول وإن شاء عذبه بالقدر الذي يريده سبحانه ثم يدخله الجنة فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل‏.‏ كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة‏.‏ وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به على هذه القاعدة وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي، فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة لها وجب تأويله عليه ليجمع بين نصوص الشرع انتهى ‏(‏عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ سيخرج قوم من النار من أهل التوحيد ويدخلون الجنة‏)‏ ذكر الترمذي هذا الحديث لتأييد قول بعض أهل في العلم تفسير قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏من قال لا إله إلا الله دخل الجنة‏"‏ ‏(‏وهكذا روي عن سعيد ابن جبير وإبراهيم النخعي الخ‏)‏ روى الحافظ ابن جرير في تفسيره بعض هذه الآثار بأسانيده‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عامر بن يحيى‏)‏ المعافري أبو خنيس بمعجمة ونون مصغراً ثقة من السادسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله سيخلص‏)‏ بتشديد اللام أي يميز ويختار ‏(‏رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة‏)‏ وفي رواية ابن ماجة‏:‏ يصاح برجل من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ‏(‏فينشر‏)‏ بضم الشين المعجمة أي فيفتح ‏(‏تسعة وتسعين سجلا‏)‏ بكسرتين فتشديد أي كتاباً كبيراً ‏(‏كل سجل مثل مد البصر‏)‏ أي كل كتاب منها طوله وعرضه مقدار ما يمتد إليه بصر الإنسان ‏(‏ثم يقول‏)‏ أي الله سبحانه وتعالى ‏(‏أتنكر من هذا‏)‏ أي المكتوب ‏(‏أظلمك كتبتي‏)‏ بفتحات جمع كاتب والمراد الكرام الكاتبون ‏(‏الحافظون‏)‏ أي لأعمال بني آدم ‏(‏فيقول بلى‏)‏ أي لك عندنا ما يقوم مقام عذرك ‏(‏إن لك عندنا حسنة‏)‏ أي واحدة عظيمة مقبولة‏.‏ وفي رواية ابن ماجة‏:‏ ثم يقول ألك عن ذلك حسنة فيهاب الرجل فيقول لا‏.‏ فبقول بلى إن لك عندنا حسنات ‏(‏فيخرج‏)‏ بصيغة المجهول المذكر، وفي رواية ابن ماجة فتخرج له ‏(‏بطاقة‏)‏ قال في النهاية‏:‏ البطاقة رقعة صغيرة يثبت فيها مقدار ما تجعل فيه إن كان عيناً فوزنه أو عدده، وإن كان متاعاً فثمنه، قيل سميت بذلك لأنها تشد بطاقة من الثوب فتكون الباء حينئذ زائدة وهي كلمة كثيرة الاستعمال بمصر‏.‏ وقال في القاموس‏:‏ البطاقة ككتابة الرقعة الصغيرة المنوطة بالثوب التي فيها رقم ثمنه سميت لأنها تشد بطاقة من هدب الثوب ‏(‏فيها‏)‏ أي مكتوب في البطاقة ‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله‏)‏ قال القاري‏:‏ يحتمل أن الكلمة هي أول ما نطق بها‏.‏ ويحتمل أن تكون غير تلك المرة مما وقعت مقبولة عند الحضرة وهو الأظهر في مادة الخصوص من عموم الأمة ‏(‏احضر وزنك‏)‏ أي الوزن الذي لك أو وزن عملك أو وقت وزنك أو آلة وزنك وهو الميزان ليظهر لك انتفاء الظلم وظهور العدل وتحقق الفضل ‏(‏فيقول يا رب ما هذه البطاقة‏)‏ أي الواحدة ‏(‏مع هذه السجلات‏)‏ أي الكثيرة وما قدرها يجنبها ومقابلتها ‏(‏فقال فإنك لا تظلم‏)‏ أي لا يقع عليك الظلم لكن لا بد من اعتبار الوزن كي يظهر أن لا ظلم عليك فاحضر الوزن‏.‏ قيل وجه مطابقة هذا جواباً لقوله ما هذه البطاقة‏؟‏ أن اسم الإشارة للتحقير كأنه أنكر أن يكون مع هذا البطاقة المحقرة موازنة لتلك السجلات، فرد بقوله إنك لا تظلم بحقيرة، أي لا تحقر هذه فإنها عظيمة عنده سبحانه إذ لا يثقل مع اسم الله شيء ولو ثقل عليه شيء لظلمت ‏(‏قال فتوضع السجلات في كفه‏)‏ بكسر فتشديد أي فردة من زوجي الميزان، ففي القاموس الكفة بالكسر من الميزان معروف ويفتح ‏(‏والبطاقة‏)‏ أي وتوضع ‏(‏في كفه‏)‏ أي في أخرى ‏(‏فطاشت السجلات‏)‏ أي خفت ‏(‏وثقلت البطاقة‏)‏ أي رجحت والتعبير بالمضي لتحقق وقوعه ‏(‏ولا يثقل‏)‏ أي ولا يرجح ولا يغلب ‏(‏مع اسم الله شيء‏)‏ والمعنى لا يقاومه شيء من المعاصي بل يترجح ذكر الله تعالى على جمع المعاصي‏.‏

فإن قيل‏:‏ الأعمال أعراض لا يمكن وزنها وإنما توزن الأجسام، أجيب بأنه يوزن السجل الذي كتب فيه الأعمال ويختلف باختلاف الأحوال أو أن الله يجسم الأفعال والأقوال فتوزن فتثقل الطاعات وتطيش السيئات لثقل العبادة على النفس وخفة المعصية عليها ولذا ورد‏:‏ حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ واخرجه ابن ماجة وابن حبان في صحيحه والحاكم والبيهقي، وقال الحاكم‏:‏ صحيح على شرط مسلم كذا في الترغيب‏.‏

1642- باب ما جاءَ في افْتِرَاقِ هذِهِ الاْمّة

2710- حَدّثنا الْحُسَيْنُ بنُ حُرَيْثٍ أَبُو عَمّارٍ، حدثنَا الفَضْلُ بنُ مُوسَى، عن مُحَمّدِ بنِ عَمْرٍو عن أَبِي سَلَمَةَ عن أَبي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏تَفَرّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالنّصَارَي مِثْلُ ذَلِكَ، وَتَفْتَرِقُ أُمّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً‏"‏‏.‏

وفي البابِ عن سَعْدٍ وَعَبْدِ الله بن عَمْرٍو وَعَوْفِ بنِ مَالِكٍ‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ حَدِيثُ أَبي هُرَيْرَةَ حدِيثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

2711- حدّثنا مَحمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أخبرنا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيّ، عن سُفْيَانَ الثوري عن عَبْدِ الرحمنِ بنِ زِيَادِ بنِ أَنْعَمَ الأَفْرِيِقّي، عن عَبْدِ الله بنِ يَزِيدَ عن عَبْدِ الله بنِ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لَيَأْتِيَنّ عَلَى أُمّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النّعْلِ بِالنّعْلِ حَتّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلّةً كُلّهُمْ فِي النّارِ إِلاّ مِلّةً وَاحِدَةً، قَالَ ومَنْ هِيَ يَا رَسُولَ الله‏؟‏ قَالَ‏:‏ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ مُفَسّرٌ غريبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلاّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ‏.‏

2712- حدّثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، حدثنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيّاشٍ، عن يَحْيَى بنِ أَبي عَمْرٍو الشّيْبَانِيّ عن عَبْدِ الله بنِ الدّيْلًمِيّ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الله بنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏:‏ ‏"‏إِنّ الله عز وجل خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، فَأَلْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النّور اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضَلّ، فَلِذَلِكَ أَقُولُ جَفّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ الله‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ‏.‏

2713- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، أَخْبَرنَا أَبُو أَحْمَد، أَخْبَرنَا سُفْيَانُ عن أَبي إِسْحَاقَ عن عَمْرِو بنِ مَيْمُونٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ قالَ‏:‏ قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏أَتَدْرِي مَا حَقّ الله عَلَى العِبَادِ‏؟‏ قُلْتُ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قالَ‏:‏ فَإِنّ حَقّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً‏:‏ قالَ‏:‏ أَتَدْرِي مَا حَقّهُمْ عَلَي الله إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ‏؟‏ قلت اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قالَ أَنْ لاَ يُعَذّبَهُمْ‏"‏‏.‏

هذا حديثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ‏.‏

2714- حدّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ، حدثنا أَبُو دَاوُدَ، أخبرنا شُعْبَةُ عن حَبِيبِ بنِ أَبِي ثَابِتٍ وَعَبْدِ العَزِيزِ بنِ رُفَيْعٍ وَالأعْمَشِ‏.‏ كُلّهُمْ سَمِعُوا زَيْدَ بنَ وَهْبٍ عن أَبي ذَرٍ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ‏:‏ ‏"‏أَتَانِي جِبْرَيلُ فَبَشّرَني أخبرني أَنّهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِالله شَيْئاً دَخَلَ الْجَنّةَ‏.‏ قلت‏:‏ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ‏؟‏ قالَ نَعَمْ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ‏.‏

وفي البابِ عن أَبي الدّرْدَاءِ‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة أو اثنتين وسبعين فرقة‏)‏ شك من الراوي، ووقع في حديث عبد الله بن عمرو الاَتي‏:‏ وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة من غير شك ‏(‏والنصارى مثل ذلك‏)‏ أي أنهم أيضاً تفرقوا على إحدى وسبعين فرقة أو ثنتين وسبعين فرقة ‏(‏وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة‏)‏ المراد من أمتي الإجابة‏.‏ وفي حديث عبد الله بن عمرو الاَتي‏:‏ كلهم في النار إلا ملة واحدة، وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم، لأنه أخبر عن غيب وقع‏.‏ قال العلقمي قال شيخنا ألف الإمام أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي في شرح هذا الحديث كتاباً قال فيه‏:‏ قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرق المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر، وفي شروط النبوة والرسالة وفي موالاة الصحابة، وما جرى مجرى هذه الأبواب، لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضاً، بخلاف النوع الأول فإنهم اختلفوا فيه غير تكفير ولا تفسيق للمخالف فيه، فيرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا النوع من الاختلاف‏.‏ وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئاً فشيئاً إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنتين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة وهي الفرقة الناجية، انتهى باختصار يسير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن سعد وعبد الله بن عمرو وعوف بن مالك‏)‏ أما حديث سعد فلينظر من أخرجه، وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي بعد هذا الحديث، وأما حديث عوف بن مالك فأخرجه ابن ماجة مرفوعاً ولفظه‏:‏ افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله من هم‏؟‏ قال الجماعة‏.‏ وفي الباب أيضاً عن معاوية بن أبي سفيان، أخرجه أحمد وأبو داود فيه‏:‏ ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة وهي الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه، ونقل المنذري تصحيح الترمذي وأقره‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو داود‏)‏ اسمه عمر بن سعد بن عبيد ‏(‏الحفري‏)‏ بفتح المهملة والفاء نسبة إلى موضع بالكوفة ثقة، عابد من التاسعة ‏(‏عن عبد الله بن يزيد‏)‏ المعافري أبي عبد الرحمن الحبلي ‏(‏ليأتين على أمتي‏)‏ من الإتيان وهو المجيء بسهولة، وعدى بعلى لمعنى الغلبة المؤدية إلى الهلاك، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ما تذر من شيء أتت عليه‏}‏‏.‏ ‏(‏ما أتى على بني إسرائيل‏)‏ ما موصولة وهي مع صلتها فاعل ليأتين ‏(‏حذو النعل بالنعل‏)‏ حذو النعل استعارة في التساوي، وقيل الحذو القطع والتقدير أيضاً، يقال حذوت النعل بالنعل إذا قدرت كل واحدة من طاقاتها على صاحبتها لتكونا على السواء، ونصبه على المصدر أي يحذونهم حذواً مثل حذو النعل بالنعل أي تلك المماثلة المذكورة في غابة المطابقة والموافقة كمطابقة النعل بالنعل ‏(‏حتى إن كان منهم‏)‏ حتى ابتدائية والواقع بعده جملة شرطية وقوله الاَتي لكان إما جواب قسم مقدر والمجموع جواب الشرط‏.‏ وإما إن بمعنى لو كما يقع عكسه، وليست إن هذه مخففة من الثقلة كما زعم، كذا نقله السيد جمال الدين عن زين العرب‏.‏ وفي الأزهار بكسر الهمزة وسكون النون مخففة أي حتى إنه كذا ذكره الأبهري‏.‏ وهذا الخلاف مبني على أنه هل يجوز حذف ضمير الشأن من إن المكسورة، فمنعه ابن الحاجب وجوزه ابن الملك ‏(‏من أتى أمة علانية‏)‏ إتيانها كناية عن الزنا ‏(‏من يصنع‏)‏ أي يفعل ‏(‏ذلك‏)‏ أي الإتيان ‏(‏وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة‏)‏ سمي عليه الصلاة والسلام طريقة كل واحد منهم ملة اتساعاً وهي في الأصل ما شرع الله لعباده على ألسنة أنبيائه ليتوصلوا به إلى القرب من حضرته تعالى، ويستعمل في جملة الشرائع دون آحادها ولا تكاد توجد مضافة إلى الله تعال ولا إلى آحاد أمة النبي، بل يقال ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو ملتهم كذا ثم إنها اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة لأنهم لما عظم تفرقهم وتدينت كل فرقة منهم بخلاف ما تدين به غيرها كانت طريقة كل منهم كالملة الحقيقية في التدين فسميت باسمها مجازاً‏.‏ وقيل الملة كل فعل وقول اجتمع عليه جماعة وهو قد يكون حقاً وقد يكون باطلا، والمعنى أنهم يفترقون فرقاً تتدين كل واحدة منها بخلاف ما تتدين به الأخرى ‏(‏وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة‏)‏ قيل فيه إشارة لتلك المطابقة مع زيادة هؤلاء في ارتكاب البدع بدرجة ‏(‏إلا ملة‏)‏ بالنصب أي إلا أهل ملة ‏(‏قالوا من هي‏)‏ أي تلك الملة أي أهلها الناجية ‏(‏ما أنا عليه وأصحابي‏)‏ أي هي ما أنا عليه وأصحابي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن غريب‏)‏ في سنده عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف، فتحسين الترمذي له لاعتضاده بأحاديث الباب وحديث عبد الله ابن عمرو هذا أخرجه أيضاً الحاكم وفيه ما أنا عليه اليوم وأصحابي ‏(‏مفسر‏)‏ اسم مفعول من التفسير أي مبين بين فيه ما لم يبين في حديث أبي هريرة المتقدم‏.‏

واعلم‏:‏ أن أصول البدع كما نقل في المواقف ثمانية‏:‏ المعتزلة القائلون بأن العباد خالقو اعمالهم وبنفي الرؤية وبوجوب الثواب والعقاب وهم عشرون فرقة‏.‏ والشيعة المفرطون في محبة علي كرم الله وجهه وهم اثنان وعشرون فرقة، والخوارج المفرطة المكفرة له رضي الله عنه ومن أذنب كبيرة وهم عشرون فرقة، والمرجئة القائلة بأنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة وهي خمس فرق، والنجارية الموافقة لأهل السنة في خلق الأفعال‏.‏ والمعتزلة في نفي الصفات وحدوث الكلام وهم ثلاث فرق، والجبرية القائلة بسلب الاختيار عن العباد فرقة واحدة، والمشبهة الذين يشبهون الحق بالخلق في الجسمية والحلول فرقة أيضاً، فتلك اثنتان وسبعون فرقة كلهم في النار، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية الأحمدية، كذا في المرقاة‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني‏)‏ بفتح المهملة وسكون التحتانية بعدها موحدة كنيته أبو زرعة الحمصي ثقة من السادسة، وروايته عن الصحابة مرسلة ‏(‏عن عبد الله بن الديلمي‏)‏ هو عبد الله بن فيروز الديلمي أخو الضحاك، ثقة من كبار التابعين منهم من ذكره في الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلق خلقه‏)‏ أي الثقلين من الجن والإنس، فإن الملائكة ما خلقوا إلا من نور ‏(‏في الظلمة‏)‏ أي الكائنين في ظلمة النفس الأمارة بالسوء المجبولة بالشهوات المردية والأهواء المضلة ‏(‏فألقى‏)‏ وفي رواية فرش ‏(‏من نوره‏)‏ أي شيئاً من نوره ‏(‏فمن أصابه من ذلك النور‏)‏ أي شيء من ذلك النور ‏(‏اهتدى‏)‏ أي إلى طريق الجنة ‏(‏ومن أخطأه‏)‏ أي ذلك النور يعني جاوزه ولم يصل إليه ‏(‏ضل‏)‏ أي خرج عن طريق الحق ‏(‏فلذلك‏)‏ أي من أجل أن الاهتداء والضلال قد جرى ‏(‏أقول جف القلم على علم الله‏)‏ أي على ما علم الله وحكم به في الأزل لا يتغير ولا يتبدل، وجفاف القلم عبارة عنه‏.‏ وقيل من أجل عدم تغير ما جرى في الأزل تقديره من الإيمان والطاعة والكفر والمعصية أقول جف القلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن‏)‏ وأخرجه أحمد والحاكم وصححه وابن حبان‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا أبو أحمد‏)‏ الزبيري ‏(‏عن أبي إسحاق‏)‏ هو السبيعي ‏(‏عن عمرو بن ميمون‏)‏ الأودي الكوفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتدري‏)‏ أي أتعرف ‏(‏ما حق الله على العباد‏)‏ الحق كل موجود متحقق أو ما سيوجد لا محالة ويقال للكلام الصدق حق لأن وقوعه متحقق لا تردد فيه وكذا الحق المستحق على الغير إذا كان لا تردد فيه، والمراد هنا ما يستحقه الله على عباده مما جعله محتماً عليهم قاله ابن التيمي في التحرير‏.‏ وقال القرطبي‏:‏ حق الله على العباد هو ما وعدهم به من الثواب وألزمهم إياه بخطابه ‏(‏أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً‏)‏ المراد بالعبادة عمل الطاعات واجتناب المعاصي، وعطف عليها عدم الشرك لأنه تمام التوحيد، والحكمة في عطفه على العبادة، أن بعض الكفرة كانوا يدعون أنهم يعبدون الله ولكنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى فاشترط نفي ذلك، والجملة حالية والتقدير يعبدونه في حال عدم الإشراك به قال‏.‏ ابن حبان‏:‏ عبادة الله إقرار باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح، ولهذا قال في الجواب‏:‏ فما حق العباد إذا فعلوا ذلك‏:‏ فعبر بالفعل ولم يعبر بالقول ‏(‏أن لا يعذبهم‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ حق العباد على الله أن لا يعذبهم‏.‏ قال القرطبي حق العباد على الله ما وعدهم به من الثواب والجزاء، فحق ذلك ووجب بحكم وعده الصدق وقوله الحق الذي لا يجوز عليه الكذب في الخبر ولا الخلف في الوعد، فالله سبحانه وتعالى لا يجب عليه شيء بحكم الأمر إذ لا آمر فوقه ولا حكم للعقل‏.‏ لأنه كاشف لا موجب انتهى‏.‏ قال الحافظ‏:‏‏:‏ وتمسك بعض المعتزلة بظاهره ولا متمسك لهم فيه مع قيام الاحتمال‏.‏ قال وقد تقدم في العلم عدة أجوبة غير هذه، ومنها‏:‏ أن المراد بالحق ههنا المتحقق الثابت أو الجدير، لأن إحسان الرب لمن لا يتخذ رباً سواه جدير في الحكمة أن لا يعذبه، أو المراد أنه كالواجب في تحققه وتأكده أو ذكر على سبيل المقابلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي‏.‏

- قوله‏:‏ ‏(‏عن حبيب بن أبي ثابت‏)‏ قال الحافظ‏:‏ حبيب بن أبي ثابت قيس، ويقال هند بن دينار الأسدي مولاهم أبو يحيى الكوفي ثقة فقيه جليل، وكان كثير الإرسال والتدليس من الثالثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبشرني‏)‏ بأن قال لي ‏(‏إنه من مات لا يشرك بالله شيئاً‏)‏ أي ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ‏(‏دخل الجنة وإن زنى وإن سرق‏)‏ أي وإن ارتكب كل كبيرة فلا بد من دخوله إياها إما ابتداء إن عفي عنه أو بعد دخوله النار حسبما نطقت به الأخبار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ وأخرجه الشيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفي الباب عن أبي الدرداء‏)‏ أخرجه أحمد في مسنده‏.‏